غيض من فيض الشاعر محمد الحافظ ولد أحمدو ...

غيض من فيض الشاعر محمد الحافظ ولد أحمدو ...
بينما أنا سائر صباح هذا اليوم إلى لكصر في زيارة اعتيادية للوالدة حفظها الله، إذ عنَّ لي أن أعرج في الطريق على منزل صديقي الشاعر الموسوعي العملاق محمد الحافظ ولد أحمدو فأزوره زيارة أردتها خاطفة منحصرة في مواضيع محددة أود توضيحها منه، فإذا بمجلسنا يمتد أربع ساعات متتالية فيتشعب فيه حديث الرجل ليحلق عاليا في شتى فضاءات العلوم.
 حاولت جاهدا أن أقيد ما استطعت تقييده من الشوارد المفيدة المسترسلة بانسياب على لسان الرجل فما طاوعني الحفظ ولا القلم.
استفسرته عما كنت سمعته منه قبل سنوات ومفاده  أن لديه فهما خاصا في قول الشيخ التراد ولد العباس في قصيدته المشهورة "تصفية الطريق":
وقلْ يا ربِّ خمسَ مراتٍ تنلْ == جميعَ ما أمَّلته كما نُقِلْ
 فقال إنه يظن أنها إشارة إلى الدعوات الخمس الواردة في آخر سورة آل عمران عند قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { 191 } رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ { 192 } رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ { 193 } رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ { 194 } فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ {195} صدق الله العظيم.
 والغريب أنني لما عدت إلى المنزل ظهرا، بادرت إلى مراجعة تفسير الذهب الإبريز، فما هالني إلا مطابقة قول الشاعر مع ما أورده محمد اليدالي رحمه الله معزوا للإمام جعفر الصادق من أنه قال: "من حزبه أمر فقال خمس مرات {ربنا } نجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد وقرأ هذه الآيات".
 قلت: سبحان الله، والغريب أن هذه الدعوات الخمس وردت كذلك في خمس آيات لا أكثر ولا أقل هي الآيات من 190 إلى 195 من سورة آل عمران، ثم تنبهت إلى أن هذه القولة ربما تكون هي المعنية بقول الشيخ التراد "فيما نقل" في آخر بيته.
 هذا وبخصوص هذه الآيات نقل اليدالي عن الفخر الرازي (في تفسيره مفاتيح الغيب) قوله: "إن المقصود من هذا الكتاب الكريم جذب القلوب والأرواح عن الاشتغال بالخلق والاستغراق في معرفة الحق، فلما طال الكلام في تقرير الأحكام والجواب عن شبهات المبطلين، عاد إلى إنارة القلوب بذكر ما يدل على التوحيد والكبرياء والجلال وذكر الأدعية فختم بهذه الآيات بنحو ما في سورة البقرة"!
وأورد قول  الغزالي في "الإحياء": (ونهاية ثمرة الدين في الدنيا تحصيل المعرفة وتحصيل الإنس بذكر الله، والأنس يحصل بدوام الذكر والمعرفة بدوام الفكر).
هذا ومن القرآن تدرج بنا الحديث إلى الفقه ومن الفقه نفذنا مباشرة إلى الأدب.
أثنى الشاعر بإسهاب على ما بذلته "دار الرضوان" لصاحبها أحمد سالك ولد ابوه برعاية  العلامة لمرابط محمد سالم ولد عدود ثم اليدالي ولد الحاج أحمد من بعده من جهد محمود خدمة للمذهب المالكي وهو من كبار المدافعين عنه، فإذا به ينشد في هذه الهيأة وفي أهلها من روائع شعره.
ومن أجود ما أسمعني قوله في الدار:
مجالس فقه الأصبحي الغوث مالك == قد انتابها شوق لأحمد سالك
وحنت إلى حاني رعاية جوده == وتنويره سود الليالي الحوالك
وتجميعه شتى الجهابذ جاهدا == ليرأب ثأْيَ الدهر في فقه مالك
فدام لأهل العلم والفضل معقلا == وجُنِّبَ أسباب الردى والمهالك
به العلماء الغُرُّ ثابت إليهمُ == مكانتهم في مستقيم المسالك
فطاب على العلم الصحيح عكوفهم == بقاعة علم هي إحدى المناسك
يتم بها ضبط العلوم وسبرها == بدقة فهم الباحث المتماسك
يقر بعيني أن أرى مكتباتِها == تَغُصُّ بما يُرْوي ظماء المدارك
تدارك منها الشيخ عِلْق نفائس  == فنعم مساعي الأريحيِّ المدارك
به ترفع "الرضوان" شم قبابها == هناك منيفاتِ الذرى والحوارك
فما سرني إن زرتها أنَّ لي بها == كرائمَ عوذ المُتلِيات الأوارك
ترى القوم فيها مخبتين كأنهم == صفوف جنود في مَكَرِّ المعارك
خشوعا كأن الطير فوق رؤوسهم  == مُرَابَطُهُمْ في العلم ثغْرُ الملاحك
بهم غيظت الحساد صرعى غمومِهم == وأذعن في التحقيق كلُّ مماحك
وتلقى هناك الباحثين عصائبا == وفي كل فن جاء كل مشارك
لهم مُقْرَبات من أضابير فقههم == كمقربة الخيل الجياد العوالك
يُطاف بمعبوط السنام عليهم == من البَهْزَرِ الكُومَا الكُهَاةِ اللَّكَالِكِ
وَمَا شئت من غر الجفان كأنها == جوابي حياض الجامل المتلاحك
وأقداح ألبان وضَيْحٍ تُعِلُّهُمْ == وكاسات شاي كالأقاحي ضواحك
فبارك رب العرش أحمد سالكا == ولا زال مكلوءا بجاه الملائك
وجاه رسول الله أكرم مرسل == عليه صلاة الله أعظم مالك
 وما لبثنا أن تحول إنشاده إنشاءا في ذات السياق إذ اضجع على قفاه وانتزع فجأة ورقة من دفتر الفيزياء لأحد أبنائه وناولنيها وأشفعها قلما، وقال لي بالله عليك إلا ما كتبت عني، ففهمت أنه تنتابه حالة مخاض عسير، وبدأت أستعد لاستقبال المولود الجديد وكنت أظنه يقرض البيت أو البيتين في بحر يسير وقافية بسيطة فإذا بالمولود يخرج إلى عالم الوجود صحيح البنية مكتمل الأركان يستفيض إلى قصيدة طويلة عريضة في روي الضاد:
بسعيك كيد الحاسدين مهيضُ == وحمل أعادي الصالحين جهيضُ
نَهَضْتَ بما أعيا الرجال احتمالُه == وأنت بأعباء الكرام نَهُوض
أليس بمحيي الدين سمَّاكَ والدٌ == طويل ذَرَاهُ في الأنام عريض
تَفَرَّسَ فِيكَ القَرْمُ خَيْرَ فِرَاسة == فأنت ببحر المكرمات تخوض
تُضاعف أضعافا على حسن ظَنِّه == لصعبِ عصِيِّ الصالحات تَرُوض
وتعشو إلى أنوار كل فضيلة == إذا لاح من برق الفَخَارِ وَمِيضُ
وتُقْرِضُ ربَّ العرش أحسَن قرضه == ألا إنما سعيُ الرِّجال قُرُوض
وذلك فضل الله من إرث جَدِّكُمْ == وفَيْضٌ من الشيخ الشريفِ مَفِيضُ
وثقتَ بما عند الإله فلم تخف == ففاضت من المولى عليك فُيوض
تبارك ربُّ العالمين وزادكمْ == ببحرٍ خضمِّ الموجِ ليس يَغِيض
ووالله لا يخزيك ربُّكَ إنه == يجازي بنقدٍ ليس فيه عُرُوض
وما يَمْتَري في الله جَلَّ جلاله == من الناس إلا مُلْحِدٌ ومريض
فجوزيت مِن ربِّ البرية بالرضى == ونُجْحٍ ورضوان عليك يَفيض
وعُمِّرت في التقوى إلى مُنتهى الْمُنى == وأسْكَتَ شَانِيكَ الْحَسُودَ جَرِيضُ
وَطارت به العنقاء في كل كوكب == مَطَارًا بِه طَيْرُ الأَنُوقِ تَبِيضُ
ولو أنني أسْطِيعُ جَازَيْتُ فِعْلَكُمْ == وَلكنما جُهد المُقِلِّ قَرِيضُ !
والحقيقة أنني كنت أحبس أنفاسي مع بداية كل بيت حتى إذا أكمله تنفست  الصعداء وتمنيت لو أكمل إشفاقا عليه من هذه القافية الشَّمُوس.
 هذا ومن طريف ما حدثني به خطأ فادح قال إنه اكتشفه في لسان العرب لابن منظور فأرانيه في مادة وَزَّ إذ قال إن صاحبه صحَّفَ كلمة في بيت للنابغة الذبياني في قصيدته التي مطلعها:
ودِّعْ أُمامة والتّوديعُ تَعْذيرُ == و ما وداعكَ منْ قفتْ به العيرُ
وهي كلمة تبن إذ جعلها تيناً وبنى على ذلك خطأ كبيرا.
قال النابغة:
تلقي الإوزِّينَ ، في أكنافِ دارتها == بَيْضاً وبينَ يدَيها التّبنُ مَنثورُ
 قال إن التبن هو صنف من علف الحيوان وخاصة منه الإبل وهو "انخاله" عندنا بالحسانية وأن ابن منظور قرأه التِّين أي الثمرة الطيبة المعروفة فبنى على ذلك أن الإوِزَّ امرأة سكنت الحضر فأكلت الطيبات من الرزق وهي في الحقيقة ناقة تعلف ما اعتادته من تبن الريف لا تين الحضر!.
قال ابن منظور في لسان العرب عند استشهاده بهذا البيت:
" تلقى الإوزين في أكناف دارتها == فوضى وبين يديها التين منثور
 أي أن هذه المرأة تحضرت فالإوز في دارتها تأكل التين ، وإنما جعل ذلك علامة التحضر، لأن التين إنما يكون بالأرياف وهناك تأكله الإوز".
قلت: ويظهر صحة ما ذهب إليه محمد الحافظ من البيتين السابق واللاحق للبيت المذكور من القصيدة:
ليستْ ترى حَوْلَها إلْفاً وراكِبُها == نشوانُ في جَوّة ٍ الباغوثِ مَخمورُ
إلى أن يقول:
لولا الهُمامُ الذي تُرْجى نَوافِلُهُ == لقالَ راكِبُها في عُصْبَة ٍ سيرُوا
 وفي مجال القرآن الكريم قال إنه فكر مرة في أن اسم الله الأعظم قد يكون في أعظم آية من القرآن وفي أعظم سورة من القرآن وأنه قد يكون الله لأنه ما تسمى به أحد من خلقه فيما يعلم!
 وقال إنه تنبه إلى أن القرآن لم تأت فيه آية تدل على إثبات صفة من صفات الله إلا وسبقها نفي التشبيه مثل قوله تعالى: «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» وقوله «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار».
 وفي مجال الأنساب قال من حيث النكتة إنه رأى في القاموس أن "بَني أوباما" هم قبيلة من العرب وأن "ندغه" القريبة من تندغه بطن من قضاعة منها العيدي بن الندغي كعربي!
 وفي معرض حديثه عن الهدايا التي يتلقاها أمثاله من الشعراء ممن يقدرون الشعر وينزلون الشعراء منازلهم، قال: "إن من أطرف ما تلقيته من ذلك أنني كنت مرة في حاضرة التيسير المحروسة ولم أعد إلى المنزل إلا وهنا من الليل وكان الوقت شتاء وقد أبى أحد المريدين الصحراويين في الحضرة المحبين للشعر والشعراء إلا أن يهديني لثاما أحتمي به من شدة البرد وكان باللثام خَلُوقٌ، وما إن وصلت إلى المنزل حتى استقبلت استقبالا تنبهت منه إلى أن الرجل أساء إلي من حيث أراد إحسانا إذ أضفى علي اللثام تهمة شنيعة ما تبرأت منها إلا ضحى الغد بصحيح النقول والشهود العدول"!.
 لم أقيد من شاردات الرجل ووارداته إلا غيض من فيض، فهو حقا مفخرة هذه البلاد 

بل والعالم العربي والإسلامي على العموم..

ملاحظة :   

كان هذا موضوع تدوينة نشرتها على صفحتي في فيس بوك بتاريخ 03 فبراير 2016، فوضع عليها بعض الناشطين في هذا الفضاء الافتراضي و خاصة من تلاميذ الشيخ علي الرضا الصعيدي  تعليقات من أبرزها:
أحمد الأمانة
تدوينة رائعة في مجال العلم والأدب ولقد كان لي الشرف والحمد لله أن قرأتها لوسيلتي وقدوتي وشيخي الشيخ علي الرضى فاستحسنها كثيرا بارك الله احسن الخالقين ومما قال لي عنها حفظه الله ورعاه: "تدوينة لايمل سماعها، ذكرتني بالادباء الكبار الاولين بارك الله في صاحب التدوينة وشاعرها، فهما لعمري يمثلان عبقرية نادرة حفظهما الله ورعاهما برعايته" انتهى ما نقلت من الشيخ، جزاكم الله خيرا.
محمدن يحظيه
مجلس أدبي فخم و ممتع و سرد رائع جذاب لم يفاجئني أرتجاله لتلك القصيدة الضادية مع روعتها و حسن سبكها و صعوبة رويها فقد حضرت له عدت مجالس في التيسير في حضرة الشريف الصالح الولي الشيخ الرضى حفظه الله و رعاه فكان يرتجل ما يزيد على الثلاثين أو اﻷربعين بيتا في مديح النبي صلى الله عليه و سلم في المجلس الواحد و في إحدى المرات كان يملي قصيدتين في نفس الوقت .
و لا تخلو مجالسه من الطرافة مرة أمرني بمطالعة ديوان أبي تمام و قال لي بطرافته المعهوده لا تنس أن تتبعه بكوكا كولا فشعره دسم .
جزى الله خيرا  الشاعر الفذ محمد الحافظ ولد أحمد لقد أبدع في مدح أهل أحمد سالك ولد أبوه و هم أهل لذالك جزاهم الله خيرا عن اﻹسلام و المسلمين .
خديم رسول الله ولد زياد
بارك الله فى مُضيفنا الأديب الكبير " بدِّنّ" و بارك فى شاعرنا و مفخرة بلادنا و حامل فقه العربية و أسرارها؛ سيدى محمد الحافظ بن أحمدُّ نفعنا الله ببركته، و ما أجمل الدرر، و أحسنها و هى تتغنّى بمكارم أهل الكرم و المروءة، حُماةُ المعروف، و وراث المجد آل أحمد سالك ابن بُّوه أعلى الله مكانتهم فى الدارين و أسبغ عليهم النعم و دفع عنهم النقم،و لقد اختار لمديحهما بحرًا جزلا، و قافية فخمة،تستوعبان الغرض، بشمم و أنفة، فهنيئا لآل أحمد سالك ثناءُ الأولياء، و الفقهاء، و الادباء، و الشعرا!
بارك الله فى الجميع.
محمد عالي ولد سيدي الصعيدي
مجلس أدبي من الطراز الأول يعبق ورده ويندي نده جمع بين علمين من أعلامنا الأفذاذ وبين طودين شامخين في العلم والأدب لله درهما أمتعتومانا متع الله بكما
محمن ولد امد
الحمد لله وبعد فإن مجلس الشاعر محمد الحافظ مجلس علم وأدب يتلون بألوان المعارف، ويتزين بأفانين الطرائف، تتفتق فيه أزهار الآداب، ويضوع منه عبير اللغة والإعراب، فهو كروض ابن زيدون الذي يذكر في قافيته الرائعة:
نلهو بما يستميل العين من زهر ... جال الندى فيه حتى مال أعناقا
ورد تألق في ضاحي منابته ... فازداد منه الضحى في العين إشراقا
سرى ينافحه نيلوفرٌ عبقٌ ... وسَنان نبّه منه الصبح أحداقا.
وإن له في مجلسه هذا أسوة حسنة بالسلف الصالح، فلقد كان لعقيل بن أبي طالب رضي الله عنه مجلس بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، توضع له فين الطنافس، يحدث الناس بأيام العرب، وما لها من نسب ومن حسب، كما قال البدوي المجلسي رحمه الله.
وإن خير من يكتب في وصف تلك المجالس لهو الأستاذ الأديب الشاعر محمدن ولد سيدي (بدنَّ)، فهو جذيل الكتابة المحكك، وعذيق الأدب المرجب، فحديثه عن هذا المجلس العبق هو التمر بالزبد، فهو إذن كشعر المتنبي وغيلان عند شاعرنا محمد الحافظ ولد أحمدو الذي يقول إن أحسن الصبوح التمر بالزبد، ويعرف عنه أنه يصطبح بقصيدة لغيلان وأخرى للمتنبي، فشعرهما عنده هو التمر بالزبد، وطالما كان مدلها بهذين الشاعرين يهيم بشعرهما، ومن كلفه بشعر المتنبي أنه وكما يقول لا يحفظ ديوانه عن قصد، وإنما يعامله كما يعامل الأطفال الحلوى يذوقونها قيتة أي شيئا فشيئا حتى لا يملوها.
وكان مرة في برنامج مباشر في الإذاعة الوطنية يتحدث عن أبي تمام فوصفه ب"شاعر العربية الأكبر"، فسأله أحد الشباب ـ يريد أن يحرجه ـ: "من أشعر الناس؟" فقال له: "أبو تمام" ، فقال: أين المتنبي ؟ فأجابه: "عن الإنس سألتني" أي أنا لا أحدثك عن الجن.
أما غيلان فيقول إنه لم يقرأ ديوانه إلا ذرفت دموعه كأنه يسترجع قطعة من شبابه وينشد قول الشاعر:
وحبب أوطان الرجال إليهمُ :: مآرب قضاها الشباب هنالكا".
ولكأنما أحيى محمد الحافظ غيلان والمتنبي في رصانة لغة الأول وبعد رؤى الأخير.
وذكرني هذا الإرتجال الموفق في مدح الجواد بن الجواد محيي الدين بن أحمد سالك ابن ابوه بمجالس رائعة حضرتها له في التيسير المبارك، فلقد شهدته مرة ينشئ ارتجالا قصيدتين طويلتين تختلفان في البحر والقافية، وله في ذلك الشيء العجيب بارك الله، وكان لدينا تسجيل لحوار أجريته معه منذ سنوات رفقة بعض الإخوة في بلدة التسير المحروسة بأمر من شيخنا الشيخ علي الرضى بن محمد ناج حفظه الله ورعاه استحسانا منه لأدبه، أبدى فيه من الظرف والآداب، ما يبهر الألباب.
وسرعة ارتجال محمد الحافظ وطول نفسه في الشعر مع الجودة والفصاحة والبلاغة أمر معلوم فهو يغرف من بحر، ويكشف عن در، بارك الله فيه، بيد أن قصيدته هذه في التنويه بكريم فعال السيد الكريم محمد الدين بن أحمد سالك حلت في النفس محلا لم يكن حل من قبل، وذلك لوجهين أولهما: حسن المقصد في الإشادة والتنويه بمعالي الأمور وكرام السجايا وعظام العزائم، تلك الشيم المعروفة لأسرة آل أحمد سالك ولد ابوه التي يصدق فيها قول الشاعر:
على قدْرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ ... وتأتي على قدْرِ الكرامِ المكارمُ
فتعظُمُ في عين الصَّغيرِ صغارُها ... وتصغر في عين العظيمِ العظائمُ
وثانيهما حسن سبكها، فحقيق بمن لم يحط علما بظرف إنشائها أن يخالها حولية زهيرية، أما رأيت حسن شاعريته وجميل إنصافه وكريم خلقه حين يقول:
ولو أنني أسْطِيعُ جَازَيْتُ فِعْلَكُمْ == وَلكنما جُهد المُقِلِّ قَرِيضُ.
فهي باختصار حسن مقال لحسن فَعال، ويشترك الأستاذان محمدن ولد سيدي (بدنَّ) محمد الحافظ ولد أحمدو ـ بارك الله فيهما ـ في ميادين متعددة كالصحافة والأدب والشعر والمعارف وعلم القوم، وإن كان الأستاذ بدن تحدث عن تلك المعارف عند الأستاذ محمد الحافظ، فإنه هو يتضلع بمعارف نعرفها فيه قديما، ونمت بها درره البهية التي ينثر في هذا الفضاء وإن المسك لنمام، فقلما تخلو تدوينة له من مدارج السلوك وكلام العارفين الذي له صولة ليست بصولة مبطل، وفي الرسالة القشيرية أن أبا العباس بن سريج الفقيه اجتاز بمجلس الجنيد، رحمهما الله، فسمع كلامه، فقيل له: ما تقول في هذا الكلام؟ فقال: لا أدري ما يقول.. ولكني أرى لهذا الكلام صولة ليست بصولة مبطل.
محمد سالم ولد النيه
إنها لآلئ ودرر قذفت بها أمواج ذالك العبقري اللغوي الشاعر الخنذيذ السيد محمد الحافظ ول أحمدُّ، فتلقفها ماهرباقتناص الشوارد واجتذاب الفوائد السيد الدكتور محمدن ول سيد "بدن" @Mohameden Ould Sidi Bedena مجلسٌ رائع أخذ فيه كل فن بطرف، انطلقت به سفينة المعرفة تمخر لجة المعارف من محيطات التفسير إلى بحار الفقه واللغة والأدب، لترسوَ بجودي بحر ذلك الموسوعي والذي هو بحر الشعر بل بحوره كلُّها.
فطالعنا المجلس بقافيتين ما شانهما سناد ولا إقواء ولا إكفاء ولا تثليم ولا إخلال، كل منها تختلط بأجزاء النفس لنفاستها، وتكاد تفتن كاتبها لسلاستها، تجمع بين حسن التصريع، ولطف الترصيع، تُحفظ حين تُلحظ.
استعار من الفني عدسته ليلتقط صورا من ساحة البحث والتحقيق في دار الرضوان، فجاءت صوره "ديجيتاليةً" رائعة في الدقة وحسن التصوير.
ترى القوم فيها مخبتين كأنهم == صفوفُ جنود في مَكَرِّ المعارك
..........................................
وتلقى هناك الباحثين عصائبا == وفي كل فن جاء كل مشارك
إلخ...........
ولعلي كنت حاضرا مع القوم عند التقاط تلك الصور فأحدث عنها كشاهد عيان.
ثم ألقى لشاعريته عنانها في قافيته الثانية ليسرح في مكارم ومعالي ومفاخر الشهم الجواد محي الدين ولد أحمد سالك بن أبوه ملخصا ذلك في كونه لم تشغله ـــ بارك الله فيه ــ عظاميته عن عصاميته، حيث يقول:
وتُقْرِضُ ربَّ العرش أحسَن قرضه ==  ألا إنما سعيُ الرِّجال قُرُوض

وذلك فضل الله من إرث جَدِّكُمْ == وفَيْضٌ من الشيخ الشريفِ مَفِيضُ

وثقتَ بما عند الإله فلم تخف == فاضت من المولى عليك فُيوض
إلخ.............
فبارك الله في تلك الدوحة الكريمة دوحة أهل أحمد سالك بن أبوه، ولا زال ظلها متفيَّأ لشتى ذوي الحاجات، وبارك الله في السيدين الكريمين العبقريين الذين أتحفانا بهذه النفائس.
وأشكركم
أبو الخضر الصعيدي
لله دره من مجلس فهو بهجة المجالس وانس المجالس يجمع بين الفقه والتفسير والأدب يتجلى فيه أدب المجالسة وحق الجليس الصالح ولاغرابة فهو يجمع بين طودين شامخين من اعيان أعلام البلد أدبا وعلما وكرماوفضلا بدن ومحمد الحافظ ناهيك عن معرفتها باشعار العرب وامثلتها النادرة وحكاياتها الممتعةمتع الله بعمريهما طويلا في صحة وعافية
لمام سيدين السعد
جزاكم الله خيرا، أيها السيد الكريم اللوذعي الشاعر الأديب الباحث المؤرخ، والأوصاف تكثر بارك الله الدكتور محمدن ولد سيدي "بدَّن" على إتحافنا بهذه الشذرة العطرة من هذا المجلس الرائع المرقص المطرب، نثرا وأدبا وشعرا، حيث كنتم فيه بحضرة أعجوبة زمانه، ونادرة أوانه، الشاعر الكبير الرَّاوية محمد الحافظ ولد أحمدو، تـأخذان من طرف الحديث في التفسير والأدب ما لذ وطاب، وتقطفان من أيانع اللغة والشعر ما احلولى وراق، حتى إذا بلغ المجلس أشدَّه،إذا به يسفر عن هذه القصيدة الرائعة سبكا ومضمونا، في مدح السيد الكريم بن السادة الكرماء، السيد المنفق محي الدين بن أحمد سالك بن ابوه، الذي شهد القاصي والداني بكرمه وجوده، حفظه الله ورعاه، وجزاه خيرا عن الإسلام والمسلمين، وزاده من فضله، وبارك في مسعاه ،
فشكرا لكم "بدّن" على هذه الكتابة الرائعة عن هذه الجلسة الممتعة ، حفظكم الله ورعاكم.
الناجح حننا
يقال ان عقل الرجل يعرف من كتابه ورسوله وهديته . واكتشفت انه يعرف ايضا من تدوينته. هذا التداعي الحر في المجالسة والحديث والتدوين ، يقول مالك ابن اسماء: وحديث الذه هو مما : تشتهيه النفوس يوزن وزنا+ منطق صايب ويلحن احيانا وخير الحديث ما كان لحنا. كاتب من الرعبل الاول حيث الكتابة هادفة لا لذاتها ولا للذاتها . وشاعر محنك طبعته فطرته السليمة وخلفيته الدينية القويمة وسيرته المستقبمة مدرسة في الادب الاسلامي الرفيع . واشادة بجميل يذكر لال اخمد سالك ابن ابوه فيشكر .يقول عبد الله ابن شبرمة: اوليك قوم ان بنوا احسنوا البنا : وان عاهدوا اوفوا وان عفدوا شدوا+ وان كانت النعماء فيهم جزوا بها : وان انعموا لا كدروها ولا كدوا + وان قال مولاهم على كل حادث : من الامر ردوا فضل احلا مكم ردوا. ومرحبا بذكر شيخنا وقدوتنا و و .. الشيخ علي الرضا خفظه الله ورعاه يقول ابونواس: مرحبا مرحبا بخير امام : صيغ من جوهر الخلافة بحتا + يا امين الاله يكلوك الله مقيما وظاعنا حيث سرتا + انما الارض كلها لك دار : فلك الله صاحب حيث كنتا + ياشبيه المهدي جودا وبذلا : وشبيه المنصور هديا وسمتا . بارك الله في المدون الفقيه الاداري والمتصوف السياسي والاديب الصحفي محمدن ول سيد (بدن ) وبارك في الشاعر الرباني والمتفنن الاريب محمد الخافظ ول احمدو وبارك في اسرة العلم والعمل والانفاق والاخلاق أ ل احمد سالك ابن ابوه وبارك الله في قدوتنا ومربينا شيخنا الشيخ علي الرضا ابن محمد ناجي ونفعنا به امين
محمد عالي ولد أحمدو
مجلس أدبي من الطراز الاول أشهى من الرحيق السلسل جمع من فرائد النكت وشوارد الادب وسلوك القوم ما يشفي الغلة ويروي الصدى:
أحاديث لو صيغت لألهت بحسنها –عن الوشي أو شُمت لأغنت عن المسك
فالمُبْحر في هذا النص الفريد يسلبه زبرجده و مرجانه والمتأمل بين سطوره ينسيه الرياضَ بستاُنه وصاحب الذوق ياخذ بمجامع لبه جنى نحله وسلافة دجنه-
لقد اخترتم بعناية عباراته واحسنتم سبكه
ولقد حوى من لطائف الشاعر الخنذيذ مفخرة هذا البلد وامام العربية و القصيد أستاذنا محمد الحافظ دررا فرى فيها فريه العجيب ونحا مسلكا فيهااذا سافه العود النباطي جرجر ولاغرو فهو ابن جلاها وابن بجدتها –شاء ان يستليح فيها صحن جال لينثر بعض مكارم اولئك الرجال من ذلك الحي الموسوي الحِلال ذؤابة الخمس أهل الندى و أهل الفَعال , فرعِ نبع يهتز في غصن المجد ..الخ
ولعلمي بالعلاقة الخاصة بين أستاذنا وشعر ابن الحسين أتمثل هنا بقولة المتنبي –ولعلها من اللائي يستصبين شاعرنا الكبير ويعهدن فيه أطيب معهد -:
لا خيل عنديَ أهديها إلى قوله : لايدرك المجد الا سيد فطن –لما يشق على السادات فعال
وقوله :على قدرأهل العزم تاتي العزائم == وتاتي على قدر الكرام المكارم
 ولي أن أختم مسكا في هذا المجال بقول الاستاذ محمدفال ولد عبداللطيف فيهم :
الا بلغا عني جميلَ المآلك == الى الندب صدر الخمس أحمدسالك
بآية ما أهدى كتابا مباركا == اليَّ أتى من كف ندب مبارك
رأيت به الحطاب طابت ثماره == لتقطفَها الطلاب فوق الارائك
براء من التحريف جاءت نصوصه == محققة مسبوكة كالسبائك
معززة منه الفروع بذكر ما== يؤسسها من نيرات المدارك
ولا غرو ان قد جاء أحمدسالك == بمحمدة أعيت على كل سالك
أولئك قوم علمهم علم مالك == وجودهم أزرى بجود البرامك
جزيت بها خيرا عن القطر كله == وعن مالك خيرا ومذهب مالك
ولازالت الرضوان تنشر نشرها == ذكيا زكيا فاق مسك الروامك
ويا سادة الفتيان كونوا كذلكم== ويا أسرة الاعمال كوني كذلك
محمد يحي اليعقوبي

فكرت في التعليق أكثر من مرة على هذه الدرر النفيسة الأدبية، ولكن كلما فكرت فيه أجدني لم أصح بعد من سُـكـر الانبهار بهذه التدوينة الرائعة الممتعة، وإذا بمقامي يقصر عن التعليق المستحق على مثلها، فكنت أكتفي بتعليق على تعليق، وكذلك اندهشت من روعة تعاليق السادة العلماء الأدباء الشعراء الذين تباروا في ميدان الثناء والإعجاب ، فلم يكن يطاوعني قلمي بمجاراتهم لقصوري عن مقامهم السامي في العلم والأدب، ويبدو أن تعليقاتهم أيضا تبارت على الصدارة في عدد الاعجابات بها، ويتصدرها في هذه اللحظة تعليق محمد سالم الهاشمي رغم أنه ما زال ينتظر ذلك منكم مع أنكم أعجبتم بمن قبله ومن بعده، فشكرا لكم أيها السيد الدكتور بدن على إتحافنا بهذا المجلس العلمي الأدبي العطر، وأنتم خير من يكتب عن ذلك بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا،

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

فصل الغزل و النسيب من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره

فصل الغزل من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره..

الشيخ التراد ولد العباس: قصتي مع الديوان...