الشيخ جلُّول الجزيري التونسي..الحلقة الثالثة و الأخيرة

الشيخ جلُّول الجزيري التونسي..الحلقة الثالثة و الأخيرة
في هذه التدوينة الثالثة و الأخيرة عن الشيخ جلُّول الجزيري (في يسار الصورة و عن يمينه الشيخ سيدي بن عمر التيجاني 1945م )، أعرِض لما حصل بيني و بين الشيخ ابَّان لقائنا الثالث و الأخير.
 و بالمناسبة زرتُ الأستاذ ببَّ بن التَّاه مؤخَّرا في منزله ، و بعد مراسيم السَّلام و التَّرحيب المعهود لديه خاض في فضائل سورة يس مشيرا إلى جزء من المصحف الشريف بيده كان يقرؤه فيما يبدو فقطعتُ عليه تلك التلاوة.قلت له إن الشيخ جلول كان قد ذكر لي من فضلها الشيءَ الكثير و حضَّني على ملازمتها مقرونةً بدعاء خاص يسبق تلاوتها.قال الأستاذ ببَّ باهتمام شديد: و هلاَّ زودتَني مشكورا بذلك الدعاء! نعم إنه شغوف بكل ما يمتُّ بصلة إلى الشيخ جلول شغفَه بأخباره و نوادره شأنه في ذلك شأن كلِّ من التقوه أو سمعوا عنه من الثقات. و من هؤلاء ممَّن لقيتهم السيد ببَّها بن أحمد يوره و د.جمال بن الحسن رحمه الله.
 أما الأول فكان يزور الشيخ كلَّما جاء إلى تونس و ربما اصطحب معه غيره .جاءه مرة في منتصف السبعينات رفقة المدير المساعد للتشريفات في عهد الرئيس الراحل المختار بن داداه الشريف الفاضلي سيداتي بن الشيخ الطالب بويَ ثم عاد إليه مرة ثانية بصحبة سفير موريتانيا في تونس آنذاك السيد محمد عبد القادر بن ديدي و لكل هؤلاء معه حكايات غريبة منها ما سمعته مباشرة و منها ما رويته عن الثقات .
 و أما أخي و صديقي جمال فقد أخبرني أنه زار الشيخ جلُّول مرة فقال له: إن الأستاذ محمد المختار بن ابَّاه قدم إلى تونس فاذهبْ لتأتيني به. قال جمال:فذهبت أتحسس في الفنادق حتى اهتديت إليه و بلغته رسالة الشيخ فامتثل.
 و قال لي كذلك: " زرت الشيخ مرة في منزله فأخذ يحدثني عن تفاصيل من حياتيَ الخاصة لا يعلمها إلاَّ الله ثم أخبرني بأمور ستقع في المسقبل و قال عندئذ أكون أنا قد توفيتُ فادْعُ ليَ الله!".و بمثل ذلك أخبرني أنا كذلك أثناء لقائنا المسائي آنف الذكر و لكن حديثه قد اتخذ يومذاك منحى روحانيا آخر.خاض الشيخ في الإلهيات تكلم بإسهاب عن الحقيقة و الشريعة و محبة الرسول صلى الله عليه و سلم و هو من آلت إليه خلافة الطريقة التيجانية في الديار التونسية! تحدث بإسهاب عن بعض العارفين مُنوها بمنهجهم في السير و السلوك و ذكر من هؤلاء أحمد الرفاعي و غيره.وقال إن من بينهم من كان يخلو بنفسه ليلا فيضجع على قفاه و يغمض عينيه في خشوع وهو يكرر" الله معي ، الله ناظري ، الله شاهدي " ثم فوجئت بالشيخ يستلقي على ظهره و يشبك يديه على صورة القبض في الصلاة و يغمض عينيه و هو يردد هذه العبارات بخشوع تام حتى إذا كرَّرها مراتٍ عاد مسرعا للجلوس و هو يقول: " لو أعد أستطيع المواصلة "!ثم استرسل في المديح النبوي فأنشد منه قصائد و قطعا رقيقة ينفعل معها بكل جوارحة و كانت له فيه وقفة مع البوصيري و همزيته و بردته التي ذكر فضلها و قال عنها إنها " بُرءُ الداء" !
كان الشيخ ينشد المديح النبوي بخشوع كبير و يغشاه حال و انفعال و لا زال يزاوج بين المديح و حكايات الصالحين إلى نهاية المجلس و كنت أستمتع كما لم يحصل لي من قبل بما يلقي من أشعار أو يروي من أخبار.
 و في خضم هذا المشهد المهيب خاطبني الشيخ فقال إنَّ لي روحانيا يخبرني بالأمور و إنني لا أراه ببصري و لكن ببصيرتي و لا أسمعه بأذني و لكن بجميع جوارحي و إذا اقترب من الجسم احترق الجسم ثم استطرد بعض الأمثلة.
و في نهاية المجلس أملى علي الشيخ جلول هذين البيتين:
لا تبال بحاسدٍ أو عدوٍّ == غَمُّهمْ ينمو أن تُهنَّا و تسعدْ
أترى الناس يحسدون حقيرا == آية الكون أن تُعاب و تحسد!
 و قبل أن أنهي الكلام عن الشيخ جلول الجزيري التونسي أنبه إلى أنه كان خطيبا في بعض المساجد بتونس و أنه كانت له صلات ببعض المرجعيات الدينية في العالم الإسلامي. و من ذلك ما رواه الباحث الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي قال: »حدثني الدكتور حسن عباس زكي و قد كان وزيرا للمالية والاقتصاد في عهد الرئيس جمال عبد الناصر و أصبح بعد ذلك مستشارا اقتصاديا لرئيس دولة الإمارات الشيخ زائد بن سلطان وله مؤلفات عديدة وكان صديقا حميما للشيخ عبد الحليم محمود رحمه الله قال: كنت في زيارة للمغرب وقد حصلت على إذن من الملك الحسن الثاني بدخول الخزانة الملكية بالرباط والتي تضم نفائس المخطوطات وفيما أنا مستغرق في مراجعة ما بين يدي إذ بهاتف من عند الشيخ جلول الجزيري يأمرني بقطع الزيارة والعودة على جناح السرعة إلى مصر فالشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر في أمس الحاجة إلي، فقفلت راجعا إلى مصر ولما وصلت وجدت المعركة على أشدها بين الرئيس أنور السادات والشيخ عبد الحليم محمود بسبب تدخل بعض الجهات في شؤون الأزهر الأمر الذي رفضه الشيخ عبد الحليم محمود رحمه الله وقد قدم بسببه استقالته من مشيخة الأزهر وذهب إلى مقام أبي العباس المرسي رضي الله عنه بالإسكندرية وظل فيه معتكفا إلى أن استرضاه الرئيس أنور السادات ومكنه مما يريد من الصلاحيات والإصلاحات « .
رحم الله  الشيخ جلول الجزيري و جزاه خيرا عن الإسلام و المسلمين.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

فصل الغزل و النسيب من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره

الشيخ التراد ولد العباس: قصتي مع الديوان...

فصل الغزل من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره..