الشيخ عبد الله بن سيدي محمد بن دادَّاه - 1905 -1974 م..

الشيخ عبد الله بن سيدي محمد بن دادَّاه (1905 -1974 م)..
جزى الله عنِّي الشريف القاضي الحسن بن عابدين الصعيدي و هو خال الشيخ عليّ الرضا و نائبه في رئاسة المنتدى العالمي لنُصرة رسول الله صلى الله عليه و سلَّم.
صادفته لدى خروجنا من صلاة التراويح في مسجد الشيخ بحي التيسير ليلة البارحة فدعاني إلى منزله لحضور جلسة روحانية شيقة يُنعشها الشيخ محمد عبد الله ولد آبِتْ و هو من أساطين المقرأ في البلاد و أحد كبار المريدين من تلامذة الشيخ عبد الله بن داداه. كان قد قرأ عليه شيخُنا الشيخ علي الرضا ابن برِّي و اطمأن إلى حفظه فأجازه في قراءة ورش.
كانت جلسة ممتعة بالفعل امتدَّت  بقدر ما حسُنت أخلاق الحسن و اتَّسع لنا صدره و فاض علينا إحسانه ، فإذا بالمجلس يُفضي بنا دون أن نشعر إلى وقت السحر!
أمتعنا الشيخ المقريءُ بحكايات لطيفة طريفة  عن شيخه الشيخ عبد الله بن داداه.
علقت بذاكرتي شذرات من تلك الحكايات فاقتبست لكم منها موضوعا لتدوينتنا لهذا اليوم.
قال الشيخ: ينتمي الشيخ عبد الله بن دادَّاه و الشيخ سيدي محمد التاكنيتي إلى مشرب واحد إذ أن كلا منهما مقدم من قبل الشيخ التراد بن العباس .و بالرغم من ذلك بلغ الخلاف بين تلامذتهما أن أصبح بعضهما لا يأتم بالبعض الآخر في المسجد .بلغ الخلاف درجة استدعت التدخل من قبل السلطات المحلية في بوتلميت للمصالحة بين الشيخين.أوكلت المبادرة إلى مسؤول محلي فاستدعى الشيخين في مكتبه.
 كان الشيخ عبد الله هو أول من حضر إلى مكتب المسؤول المحلِّي فأقنعه بأن ينتقلا للإلتقاء بالشيخ سيدي محمد في محل إقامته و كان هو الأسن بقليل و هكذا حصل.
و هنالك وجدا أمامهما المرابط محمد عالي بن عدُّود و  محمد بن أبي مدين و الزعيم التقليدي محمد بونه فبادر الشيخ عبد الله إلى تقبيل يد الشيخ سيدي محمد و رأسه و قال لو لم يكن جالسا على رجليه لقبلتهما كذلك.
 و بعد اكتمال مراسيم السلام أطرق الحاضرون فكسر الشيخ عبد الله حاجز الصمت فقال :سأفتتح لكم الجلسة كما تقولون بالتعبير الحديث ثم قال: "إن جمعنا هذا يضم فقيه الجماعة و هو المرابط محمد عالِ و محدثها و هو محمد بن أبي مدين و أميرها و هو محمد بونه و ممثل عن سلطتها المحلية و أنني أسأل الفقيه عن ما يمنع المسلم من الصلاة خلف الإمام " فأجاب الفقيه فقال هو الكفر البواح و العياذ بالله! فأردف الشيخ مستوضحا: و ما معنى الكفر البواح؟ قال الفقيه:هو ذلك الصريح الذي لا يحتمل التأويل! عندئذ تدخل الشيخ سيدي محمد فقال: ٱشهدوا أننا تائبون إلى الله!فقال محمد بن أبي مدين:سبحان الله الذي ألهمكم حُسْنَ السؤال و حُسْنَ الجواب و حُسْنَ المتاب! ثم بادر الشيخ عبد لله فقدم هدية علنيةً للشيخ سيدي محمد و قال: و كما تعلمون فإن الهدية تُبدَى و لا تُخفى عكس الصدقة لأن المنَّة فيها لقابلها لا لمهديها! و استمر المجلس منعقدا إلى أن أذن المؤذن لصلاة الظهر فقام الجميع إلى المسجد و صلَّى الشيخان متجاوريْن مباشرةً خلف الإمام و تلامذتهم معهم.
 و لمَّا سلَّم الإمام و كان من جماعة الشيخ عبد الله التفت نحو الشيخين و قال: إن هذا الصلح الذي أبرمتموه اليوم لن ينفرط عقده أبدا فنحن الضامنون لذلك الملتزمون به نيابةً عن الطرف الآخر قبل أنفسنا! قال الشيخ عبد الله مُتعجبا:" و لعلَّ ذلك هو السبب الذي حرَّكتنيَ الأقدار من أجله أصلا فأتيت من مكانيَ البعيد"!
 و هكذا أصلح الشيخان بحكمتهما الإلهية ما كاد المريدون يُفسدونه من ود.
قيل إنَّ بعض تلامذة الشيخ عبد الله من أبناء عمومته المقربين كلموه في تنقله نحو الشيخ سيدي محمد بدل أن يلتقيا في مقر محايد فأجابهم بقولته المشهورة: فعلت ذلك لما فيه من إغاظة صريحة للشيطان!
توفي الشيخ عبد الله بن داداه فبادر كبار مريديه فبايعوا بإجماع واحدا من أمثلهم هو الشيخ سيدي محمد بن الدوله و لا زال هذا الشيخ الخليفة يتلقى البيعة و المريدون يتعاقبون عليه بانتظام في صف مرصوص حتى إذا جاء دور ابن أخي الشيخ الفقيد و مريده سيدي محمد بن أحمدْ بن دادَّاه فقبل بيعته و أمسكه إلى جانبه و استمر يتلقى البيعة من المريدين.فلما اكتملت البيعة بادر إلى دعوة عامة للتلاميذ فشكرهم على الثقة التي جعلوه موضعا لها و قال: أمَا و قد ولَّيتموني هذا الأمر فقد وجبت عليَّ نصيحتُكم لما أعتقد أن فيه صلاح دينكم و دنياكم، و نتيجة لذلك فإنني باسمكم جميعا أحيلٌ هذه البيعة إلى من هو أولى بها و التفت إلى سيدي محمد بن أحمدْ بن دادَّاه فبايعه و لمَّا يبرح مكانه فتبعه الناس في ذلك و انحسم الموضوم!
سافر الشيخ عبد الله بن داداه إلى الشيخ التراد بن العباس بإشارة من الشيخ سيد المختار بن سيدي محمد بن الشيخ سيديا فمكث معه حوالي أربعة أشهر لم يلتقيا فيها إلا مرتين أولاهما عند مجيئه و الأخيرة عند توديعه.و قيل إن الشيخ عامله معاملة خاصة و كلفه بتدريس بعض أبنائه.و يُروى أن المريد أرسل مرة إلى شيخه يطلب خدمة ذات كلفة تحطِّم حواجز النفس فرد عليه الشيخ يقول:أخبروه أن ليس للضيف أن يتخيَّر و أن ليس للتراد أي حق في أن يستخدم من بجّله الله! و من النكت كذلك أن الشيخ عبد الله طلب منه كتابا يطالعه فأرسل إليه الشيخ التراد يقول:أبلغوه أنه لم يأت لغرض مطالعة الكتب.
هذا و تقول الرواية إن الشيخ عبد الله بن سيدي محمد بن دادَّاه لم يكن ينوي مغادرة حضرة الشيخ التراد بدليلين:أولهما أنه ما إن وصل إلى الشيخ حتى أهداه الجمل الذي قدم عليه و الثاني أنه أعاد إلى زوجته رسالة يخبرها فيها بنيته و يخيِرها بين البقاء في البيت و العودة إلى ذويها.
 هذا و لمَا علم والده بذلك بل و استبطأه نسبيا أراد التوسط لدى السلطات الإستعمارية من أجل تسهيل عودته و لكنه عدل عن ذلك إلى رأي أشار إليه به الشيخ سيد المختار بن سيدي محمد بن الشيخ سيديَ فكتب رسالة إلى الشيخ التراد يبيِّن له فيها حاجته إليه و يطلب منه الإسراع بتسريحه.
كتم الشيخ التراد أمر الرسالة عن مريده إلى أن جاء ذلك اليوم الذي استدعاه فيه فإذا به قد أحضر له جملا بجهاز كامل و ودعه قائلا: "إن أتاك من يطلب منك أن تلقنه الورد فلا تعرِضْ عنه!"و قيل إنه لم يكن آنذاك يتصور أن مثل ذلك الطلب سيحصل و لكنه حصل بالفعل!
يروى أن أحد العارفين بسَعَة علم الشيخ عبد الله بن دادَّاه و مدى عبادته و ورعه إذ نهل من معين شيخيه الجليلين محمد سليمان التنواجيوي و يحظيه بن عبدالودود قبل مغادرته بوتلميت للإلتحاق بالشيخ التراد ،سأله بعد عودته قائلا: حدِّثني بالله عليك عما استفدته من شيخك؟ قال الشيخ عبد الله: "أحسُّ بأنَّ اقتراف المعصية أصبح أصعبَ عليَ من ذي قبل!"
 قيل إن الشيخ لا يفتأ يحضض أصحابه على مسألتين : التزام الذكر و اعتزال النساء غير المحارم و كان يتمثل بقول شيخه الشيخ التراد "إنهن كالعقارب سيان كبيرهن و صغيرهن في حجم خطر الإضرار باللسع!"
و من جيِّد شعره في الحض على التزام الذكر قوله من قصيدة:
فـافزعْ إلى الـذِّكر لا تطلـبْ بـه بــــدلاً == فلن تـرى مـثله للنُّجْح مفتـاحـــــــــــا
بـه يئـيضُ أخـو الـبأسـاء فــــــــي سعةٍ == وصـاحـبُ الثَّمَد الضَّحْضـاح ضحضـاحـــــــــا
فـالقـومُ بـالـذكر قـد قـرَّتْ عـيـونهــــمُ == سـرًا و جهـرًا و أرواحًا و أشبـاحـــــــــــا
هذا و للشيخ ديوان شعر مخطوط و كتاب بعنوان : «القول المعتام»، و «وبل الغمام في شرح القول المعتام»، وله أرجوزة مخطوطة في «الجهر بالذكر». وله عدة مؤلفات مخطوطة منها: «القول المسدد في جوانب رحبة المسجد»، و«رسالة في الشهادة».
 جزى الله عنّا شيخ أشياخنا الشيخ محمد عبد الله ولد آبِتْ وحفظه و رعاه

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

فصل الغزل و النسيب من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره

الشيخ التراد ولد العباس: قصتي مع الديوان...

فصل الغزل من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره..