لأستاذ سيد أحمد بن الديْ الغائب الحاضر في" الصالون"..
لأستاذ سيد أحمد بن الديْ الغائب الحاضر في" الصالون"..
دعاني الولي محمذ بن محمودن يوم السبت المنصرم لحضور صالونه الأسبوعي.و كان من المفروض أن يحلَّ ضيفا على الصالون يومذاك أستاذنا الوزير الأديب سيد أحمد ولد الديْ لولا وعكة صحية خفيفة دفعته للإعتذار قبيل موعد الإنطلاق بقليل.و جريا على سنة مسنة درج عليها الصالون أعددت الورقة التالية عن الضيف المرتقب فأمر الولي بإلقائها فامتثلتُ لأمره فأصبح الأستاذ بموجب ذلك هو " الغائب الحاضر" كما قال خليليَ الخليل النحوي ..
لست أدري كيف ارتسمت في مخيلتي ولما أبلغ العشرين من العمر، تلك الصورة النيرة التي لا أزال أحتفظ بها حتى الآن لأستاذنا الجليل سيد احمد ولد الدي باعتباره أحد القمم الشامخة في الثقافة الموريتانية وخاصة منها ما يتعلق بالأدب والنقد.
كان ذلك في مطلع السبعينات وكان المعني مديرا لمدرسة تكوين المعلمين.
كنا في الأوساط الطلابية نترصد نشاطاته الثقافية على ندرتها ونتلقف بنهم شديد كل ما يرويه عنه طلابه من أفكار ونكت وطرائف وحتى من نظريات.
كان يضاعف اعتزازنا بانتمائنا لبلد المليون شاعرا، محاولته الجريئة بتأصيل تلك القولة المشهورة لمجلة "العربي" الكويتية بجزمه إن الأدب العربي في بلاد شنقيط كان مزدهرا في عصر انحطاطه في المشرق العربي بل إن رواد حركة بعث هذا الأدب هناك مدينون لكتاب الوسيط إلى حد ما في ما حققوه من نهضة محمودة تعززت بها تلك الحلقة المهمة من تاريخه.
كنا نعجب من تملصه يوما من أيام الدراسة النظامية في مدرسة تكوين المعلمين من شخصه الإداري المدير ليستعيد عفويا شخصه الطبيعي الأديب فيخاطر بوظيفته ليعيد إلى مقاعد الدراسة ذلك الطالب المعارض للنظام المطرود المستنجد به في رسالة أدبية موجزة خاطبه فيها قائلا :
أيا نخبة المختار من كل دارس== ويا من يدير العدل بين المدارس
شكوت إليك الظلم فادرس شكايتي==وليس غبي في الأمور كدارس
ولست كقوم جئتهم فكأنما==وقفت على ربع لمية دارس
ما إن قرأ المدير الأديب الرسالة حتى بادر فضرب بالقواعد الإدارية بل والسياسية كذلك عرض الحائط وأصدر أمرا صريحا باسترجاع الطالب الشاعر بل واستقبله في مكتبه وهو يقول : " خشيت أن أكون كقوم جئتَهم فكأنماوقفتَ على ربع لمية دارس".
ولست أدري لو لم تكن قد تحركت من الشعر شفاعة لصاحبه فحققت له أبياته ما لم تحققه وساطاته، كم سيكون إذا حجم خسارة "الصالون" بل وخسارة الأدب الموريتاني عموما لغياب أحد أهم مرجعياته ألا وهو الأستاذ الجامعي اللامع الدكتور أحمد ولد أمبيريك حفظه الله.
دارت الأيام وحملني زهو الشهادة الإعدادية سنة 19755 وإنشاء صحيفة وطنية يومية إلى الالتحاق بالشركة الوطنية للصحافة كموثق في جريدة الشعب. وبموجب تلك المسؤولية كلفت يوما بالتقاط الصور وكتابة السير للوزراء الجدد في حكومة شكلها الرئيس الراحل المختار ولد داداه في شهر أكتوبر من ذات السنة. ولحسن حظي كان من بينهم الأستاذ سيد احمد ولد الدي.
جئته ليلا في منزله المجاور لمقر عمله وهنالك دار أول لقاء مباشر بيننا. ومما لفت انتباهي في مساره الدراسي آنذاك هو أنه حاصل على جائزة الرئيس التونسي الراحل الحبيب برقيبه التي لا ينالها إلا المحظوظين من المتفوقين.
قرأت للأستاذ سيد احمد بعد ذلك مقالات ومناظرات في الثقافة والأدب منشورة في بعض الصحف السيارة والمجلات الوطنية الناشئة.
ظل إنتاجه ينتظمه سلك واحد هو الدفاع باستماتة عن نصاعة اللغة العربية وهو يشفق عليها كثيرا وكأنه يستشرف ما ينتظرها من آفة بعد طفرة الصحافة.
تزامن فترة عمل الأستاذ عضوا في الحكومة مع دراستي في الخارج. وصادف تخرجي خروجه من المعتقل. فجمعتنا الصدفة يوما في مقر عمله الجديد كمدير لشركة الكتب الإسلامية في موريتانيا "اسليم". كنت قد أنشأت للتو منتصف سنة 1981 مكتبا للنشر رأس ماله الطموح وتعوزة الثقافة والوسائل.كنت يومها موظفا في احدى شركات الصيد في انواذيب وربما يكون الجفاف الثقافي هناك هو الدافع لا شعوريا إلى خوض مثل تلك التجربة.
تكررت لقاءاتنا فإذا بها تنتج من حيث لم أكن اتوقع صيغة معينة توفر بموجبها الشركة أي سليم للمكتب وقد سميته " التوفيق" تفاؤلا كل مستلزمات الطباعة من ورق و حبر وغيره على أن تظفر منه لقاء ذلك باحتكار تسويق البضاعة و يسير من الترويج هو أن يحمل المطبوع عنوانها الكامل حتى إذا نفدت البضاعة استرجعت " اسليم" سلفتها بالإضافة إلى حقها المعلوم في نسبة 20% من الربح مقابل خدمات التسويق.
أنظلقت التجربة على بركة الله فنالت حظا من النجاح تجسده منشوراتها التالية:
- ديوان ابن احمد يوره الفصيح
- ديوان ابن احمد يوره الشعبي
- ديزان الشيخ التراد بن العباس وقد وجدته صدفة في انواذيب لدى أحد مريديه هو الشيخ محمد امبارك بن حاملي
- رسالة الفيش بين كسكس و العيش
- بلوغ الأمل من زيارة فرنسا و بر و كسل
- فتاوى الشياطين
- ميثاق الثقلاء للأستاذ يحيى بن سيد المصطف
وقد تستغربون إن قلت لكم إن كل تلك المنشورات طبعتها بعد الدوام الرسمي على "استنسيل" )أو المُهرق كما يعربه مكتب تنسيق التعريب في المغرب العربي) لا أقول بيدي و إنما بسبابة اليد اليمنى على آلة طباعة بدائية ولكنها جيدة من نوع أولمبيا.
أما أنا فقد كنت راضيا عن تلك التجربة إذ من خلالها اكتشفت عن كثب شركائيَ ليس في منهجية النشر والتسويق فحسب وإنما أيضا شركائيَ المؤلفين من الأحياء أطال الله بقاءهم ومن الأموات كذلك رحمهم الله إذْ انعقدت بيني وبينهم ألفة فنفذت من خلال إنتاجهم إلى شخصياتهم الفذة.
لم تكن تجربتنا خارقة و إنما كانت فائقة تجاوزت كل تصور .. وكانت انعكاساتها المادية محدودة طبعا إذ لم يكن المنشور يتجاوز طبعة واحدة لا يتعدى عددها مائة وخمسة وعشرين نسخة ، تستخدم الخمسة في أغراض الدعاية فتمنح هبة لبعض البرامج الإذاعية للتعريف بها لدى الجمهور. أما الثمن فحده مائتا أوقية مرسوم على الغلاف الخارجي للمطبوع.
أذكر أننا لم نخرج عن عادتنا في النشر المحدود إلاَّ مرةً واحدةً عندما طلب منا القاضي ود بن الشيخ سعد بوه بن الشيخ التراد بن العباس طبعة ثانية لديوان جده الشيخ فامتثلنا طائعين .
و بفضل هذه التجربة تكونت لدي نواة لمكتبة كانت غنية .. إذ ما مررتُ قط بالمكتبة إلا و تزودت منها إن لم يكن بوقود أو نقود فبعدد من الكتب غير محدود..
لم أعد أتذكر متى و لا كيف انقطعت هذه التجربة و لكن لا يزال في نفسي إليها حنين وأنا إليها بكل خير مدين.
و دعوني أختزل الزمن لأصل إلى مطلع القرن العشرين عندما حُوِّلتُ إلى مقاطعة شنقيط مسقط رأس الأستاذ سيد أحمد و فيها مكثت ثلاث سنوات و زيادة.
و هنالك واكبتُ ازدهار السياحة وشهدت محاولة استاذنا احمد باب بن احمد مسكه توظيف السياحة لصالح الثقافة والتراث في شنقيط . و في ذلك الإطار سعدت بأمور من أبرزها إعادة افتتاح " دار التلاميد" المحاذية للمسجد العتيق وكان الأستاذ سيد احمد و اترابه كما قيل لي هم آخر دفعة آوتْها تلك المعلمة الحضارية البارزة.
ترأست افتتاح هذه الدار و حضرت بها أول درس يلقيه أستاذها الجديد العالم آب بن محمد محمود العائد بعد هجرة طويلة من تيمنيت بمقاطعة أوجفت .. لم تجد إغراءات الراتب النظاميِّ المقترح للأستاذ من قبل الوكالة الفرنسية المنظمة للرحلات السياحية في تسهيل عودة الرجل و أنما استخدمت من أجل ذلك ضغوط اجتماعية قوية إضافية..
كنا نستعد كذلك لاستقبال Téodord Monodd و لكن الموت عاجله في خضم الاستعدادات للسفر فناب عنه بعض أبنائه وفاءا لروح والدهم ونظموا حفلا بهيجا تسلمت منهم خلاله من بيض النعام عددا لم أعد أتذكر قدره ولكن الباحث الفقيد كان قد أحضره من بلاد نائية ليوضع فوق منارة مسجد شنقيط طبقا للعادة المتبعة لدى القوم .
أثناء تلك الفترة لم يكن الأستاذ سيد احمد مقيما في شنقيط ولكنه كان بها الغائب الحاضر دائما بالنسبة إلي. يزورها من حين لآخر، وما زارها قط إلا زارني في المنزل وحمل إلي رزمة من آخر الإصدارات الثقافية وخاض معي في أحاديث شيقة لا تمتُّ بأيِّ صلة للسياسة المحلية و لا للنزاعات العقارية.
أحرجته مرة برفيق في السفر أو صلة في سيارته إلى انواكشوط.. لم يكن الرفيق يفقه من الثقافة إلا القدر الذي يميز به بين القرآن وغيره.. ولدي عودته من عطلته المدرسية قال لي ببراءة : " عجبت لذلك الرجل .. ما كانت تشغله السياقة عن تلاوة القرآن جهرة طوال الطريق."
دعوته مرة فشرفني بمشاركته في إنعاش ملتقى ثقافي نظمته في ابَّير التَّورس إلى جانب أساتذة أجلاَّءَ آخرين من بينهم لمرابط محمد سالم بن عدُّود رحمه الله و العلامة حمدن بن التَّاه و الدكتور هيبتنَ بن سيدي هيبه و الدكتور محمدالأمين بن الكتَّاب والأستاذ الأديب محمد بن أحمد بن الميداح منتدبا من قبل وزارة الثقافة للإشراف رسميا على تلك التظاهرة.
هذا و كانت تحدث في شنقيط مناسبات ثقافية يحز في نفسي أن يغيب عنها الأستاذ سيد احمد .. ولكنني كنت أحرص على تمثيله فيها تمثيلا حده أنه خير من الغياب..
وسأقتصر من صور هذا التمثيل المذكور على أمرين فقط:
أولا:
زار مدينة شنقيط سفير الولايات المتحدة الأمريكية سعادة لبارون وتنفيذا لتعليمات سامية أحاطته كافة السلطات المحلية بما هو أهله من ضيافة وإكرام.
وبينما كنا نتناول العشاء في نزل سياحي مريح في "تندوعلِ" بضاحية شنقيط الشرقية على حافة البطحاء إذ فاجأنا بقوله بعربيته الدبلوماسية البسيطة إنه يحبُّ أن يرى بأم عينه في العاصمة الثقافية لبلاد شنقيط أرض المليون شاعرا شعرا عربيا مرتجلا..
و نظرا للطابع الخاص للزيارة فقد كان مجلسنا يقتصر على الرسميين و لذلك وجدتُ نفسي أمامَ الأمر الواقع إذ تعيَّن عليَّ أن أتصرَّف. و ببركة المكان و ربما الزمان أيضا لأن الليلة كانت ليلة جمعة قلت:
يا مرحبا بسفير جاء زائرنا== بأرض شنقيط حيث العلم يقتطف
والمجد مقتطف منها ومقتطف == منها الإباء منَ آباء لنا سلفوا
ومرحبا قولها باللفظ متحد ==لكنها باختلاف الناس تختلف
وعلى ركاكة هذه الأبيات فقد أربكتني أي أرباك إذ حرصت فيها على ان لا أقول من المعني إلا ما يناسب المقام.
ولكن سعادة السفير رفع سقف طلباته إلى أبعد من ذلك فطلب أن يرى كذلك شعرا حسانيا مرتجلا كذلك وهنا لم أتكلف كبيرَ عناء بل قلت:
سعادت لبارون ==يختير أبلا خلاف
ينكال الليل هون ==كاف أراعِ ذ كاف
كان ذلك في مطلع السبعينات وكان المعني مديرا لمدرسة تكوين المعلمين.
كنا في الأوساط الطلابية نترصد نشاطاته الثقافية على ندرتها ونتلقف بنهم شديد كل ما يرويه عنه طلابه من أفكار ونكت وطرائف وحتى من نظريات.
كان يضاعف اعتزازنا بانتمائنا لبلد المليون شاعرا، محاولته الجريئة بتأصيل تلك القولة المشهورة لمجلة "العربي" الكويتية بجزمه إن الأدب العربي في بلاد شنقيط كان مزدهرا في عصر انحطاطه في المشرق العربي بل إن رواد حركة بعث هذا الأدب هناك مدينون لكتاب الوسيط إلى حد ما في ما حققوه من نهضة محمودة تعززت بها تلك الحلقة المهمة من تاريخه.
كنا نعجب من تملصه يوما من أيام الدراسة النظامية في مدرسة تكوين المعلمين من شخصه الإداري المدير ليستعيد عفويا شخصه الطبيعي الأديب فيخاطر بوظيفته ليعيد إلى مقاعد الدراسة ذلك الطالب المعارض للنظام المطرود المستنجد به في رسالة أدبية موجزة خاطبه فيها قائلا :
أيا نخبة المختار من كل دارس== ويا من يدير العدل بين المدارس
شكوت إليك الظلم فادرس شكايتي==وليس غبي في الأمور كدارس
ولست كقوم جئتهم فكأنما==وقفت على ربع لمية دارس
ما إن قرأ المدير الأديب الرسالة حتى بادر فضرب بالقواعد الإدارية بل والسياسية كذلك عرض الحائط وأصدر أمرا صريحا باسترجاع الطالب الشاعر بل واستقبله في مكتبه وهو يقول : " خشيت أن أكون كقوم جئتَهم فكأنماوقفتَ على ربع لمية دارس".
ولست أدري لو لم تكن قد تحركت من الشعر شفاعة لصاحبه فحققت له أبياته ما لم تحققه وساطاته، كم سيكون إذا حجم خسارة "الصالون" بل وخسارة الأدب الموريتاني عموما لغياب أحد أهم مرجعياته ألا وهو الأستاذ الجامعي اللامع الدكتور أحمد ولد أمبيريك حفظه الله.
دارت الأيام وحملني زهو الشهادة الإعدادية سنة 19755 وإنشاء صحيفة وطنية يومية إلى الالتحاق بالشركة الوطنية للصحافة كموثق في جريدة الشعب. وبموجب تلك المسؤولية كلفت يوما بالتقاط الصور وكتابة السير للوزراء الجدد في حكومة شكلها الرئيس الراحل المختار ولد داداه في شهر أكتوبر من ذات السنة. ولحسن حظي كان من بينهم الأستاذ سيد احمد ولد الدي.
جئته ليلا في منزله المجاور لمقر عمله وهنالك دار أول لقاء مباشر بيننا. ومما لفت انتباهي في مساره الدراسي آنذاك هو أنه حاصل على جائزة الرئيس التونسي الراحل الحبيب برقيبه التي لا ينالها إلا المحظوظين من المتفوقين.
قرأت للأستاذ سيد احمد بعد ذلك مقالات ومناظرات في الثقافة والأدب منشورة في بعض الصحف السيارة والمجلات الوطنية الناشئة.
ظل إنتاجه ينتظمه سلك واحد هو الدفاع باستماتة عن نصاعة اللغة العربية وهو يشفق عليها كثيرا وكأنه يستشرف ما ينتظرها من آفة بعد طفرة الصحافة.
تزامن فترة عمل الأستاذ عضوا في الحكومة مع دراستي في الخارج. وصادف تخرجي خروجه من المعتقل. فجمعتنا الصدفة يوما في مقر عمله الجديد كمدير لشركة الكتب الإسلامية في موريتانيا "اسليم". كنت قد أنشأت للتو منتصف سنة 1981 مكتبا للنشر رأس ماله الطموح وتعوزة الثقافة والوسائل.كنت يومها موظفا في احدى شركات الصيد في انواذيب وربما يكون الجفاف الثقافي هناك هو الدافع لا شعوريا إلى خوض مثل تلك التجربة.
تكررت لقاءاتنا فإذا بها تنتج من حيث لم أكن اتوقع صيغة معينة توفر بموجبها الشركة أي سليم للمكتب وقد سميته " التوفيق" تفاؤلا كل مستلزمات الطباعة من ورق و حبر وغيره على أن تظفر منه لقاء ذلك باحتكار تسويق البضاعة و يسير من الترويج هو أن يحمل المطبوع عنوانها الكامل حتى إذا نفدت البضاعة استرجعت " اسليم" سلفتها بالإضافة إلى حقها المعلوم في نسبة 20% من الربح مقابل خدمات التسويق.
أنظلقت التجربة على بركة الله فنالت حظا من النجاح تجسده منشوراتها التالية:
- ديوان ابن احمد يوره الفصيح
- ديوان ابن احمد يوره الشعبي
- ديزان الشيخ التراد بن العباس وقد وجدته صدفة في انواذيب لدى أحد مريديه هو الشيخ محمد امبارك بن حاملي
- رسالة الفيش بين كسكس و العيش
- بلوغ الأمل من زيارة فرنسا و بر و كسل
- فتاوى الشياطين
- ميثاق الثقلاء للأستاذ يحيى بن سيد المصطف
وقد تستغربون إن قلت لكم إن كل تلك المنشورات طبعتها بعد الدوام الرسمي على "استنسيل" )أو المُهرق كما يعربه مكتب تنسيق التعريب في المغرب العربي) لا أقول بيدي و إنما بسبابة اليد اليمنى على آلة طباعة بدائية ولكنها جيدة من نوع أولمبيا.
أما أنا فقد كنت راضيا عن تلك التجربة إذ من خلالها اكتشفت عن كثب شركائيَ ليس في منهجية النشر والتسويق فحسب وإنما أيضا شركائيَ المؤلفين من الأحياء أطال الله بقاءهم ومن الأموات كذلك رحمهم الله إذْ انعقدت بيني وبينهم ألفة فنفذت من خلال إنتاجهم إلى شخصياتهم الفذة.
لم تكن تجربتنا خارقة و إنما كانت فائقة تجاوزت كل تصور .. وكانت انعكاساتها المادية محدودة طبعا إذ لم يكن المنشور يتجاوز طبعة واحدة لا يتعدى عددها مائة وخمسة وعشرين نسخة ، تستخدم الخمسة في أغراض الدعاية فتمنح هبة لبعض البرامج الإذاعية للتعريف بها لدى الجمهور. أما الثمن فحده مائتا أوقية مرسوم على الغلاف الخارجي للمطبوع.
أذكر أننا لم نخرج عن عادتنا في النشر المحدود إلاَّ مرةً واحدةً عندما طلب منا القاضي ود بن الشيخ سعد بوه بن الشيخ التراد بن العباس طبعة ثانية لديوان جده الشيخ فامتثلنا طائعين .
و بفضل هذه التجربة تكونت لدي نواة لمكتبة كانت غنية .. إذ ما مررتُ قط بالمكتبة إلا و تزودت منها إن لم يكن بوقود أو نقود فبعدد من الكتب غير محدود..
لم أعد أتذكر متى و لا كيف انقطعت هذه التجربة و لكن لا يزال في نفسي إليها حنين وأنا إليها بكل خير مدين.
و دعوني أختزل الزمن لأصل إلى مطلع القرن العشرين عندما حُوِّلتُ إلى مقاطعة شنقيط مسقط رأس الأستاذ سيد أحمد و فيها مكثت ثلاث سنوات و زيادة.
و هنالك واكبتُ ازدهار السياحة وشهدت محاولة استاذنا احمد باب بن احمد مسكه توظيف السياحة لصالح الثقافة والتراث في شنقيط . و في ذلك الإطار سعدت بأمور من أبرزها إعادة افتتاح " دار التلاميد" المحاذية للمسجد العتيق وكان الأستاذ سيد احمد و اترابه كما قيل لي هم آخر دفعة آوتْها تلك المعلمة الحضارية البارزة.
ترأست افتتاح هذه الدار و حضرت بها أول درس يلقيه أستاذها الجديد العالم آب بن محمد محمود العائد بعد هجرة طويلة من تيمنيت بمقاطعة أوجفت .. لم تجد إغراءات الراتب النظاميِّ المقترح للأستاذ من قبل الوكالة الفرنسية المنظمة للرحلات السياحية في تسهيل عودة الرجل و أنما استخدمت من أجل ذلك ضغوط اجتماعية قوية إضافية..
كنا نستعد كذلك لاستقبال Téodord Monodd و لكن الموت عاجله في خضم الاستعدادات للسفر فناب عنه بعض أبنائه وفاءا لروح والدهم ونظموا حفلا بهيجا تسلمت منهم خلاله من بيض النعام عددا لم أعد أتذكر قدره ولكن الباحث الفقيد كان قد أحضره من بلاد نائية ليوضع فوق منارة مسجد شنقيط طبقا للعادة المتبعة لدى القوم .
أثناء تلك الفترة لم يكن الأستاذ سيد احمد مقيما في شنقيط ولكنه كان بها الغائب الحاضر دائما بالنسبة إلي. يزورها من حين لآخر، وما زارها قط إلا زارني في المنزل وحمل إلي رزمة من آخر الإصدارات الثقافية وخاض معي في أحاديث شيقة لا تمتُّ بأيِّ صلة للسياسة المحلية و لا للنزاعات العقارية.
أحرجته مرة برفيق في السفر أو صلة في سيارته إلى انواكشوط.. لم يكن الرفيق يفقه من الثقافة إلا القدر الذي يميز به بين القرآن وغيره.. ولدي عودته من عطلته المدرسية قال لي ببراءة : " عجبت لذلك الرجل .. ما كانت تشغله السياقة عن تلاوة القرآن جهرة طوال الطريق."
دعوته مرة فشرفني بمشاركته في إنعاش ملتقى ثقافي نظمته في ابَّير التَّورس إلى جانب أساتذة أجلاَّءَ آخرين من بينهم لمرابط محمد سالم بن عدُّود رحمه الله و العلامة حمدن بن التَّاه و الدكتور هيبتنَ بن سيدي هيبه و الدكتور محمدالأمين بن الكتَّاب والأستاذ الأديب محمد بن أحمد بن الميداح منتدبا من قبل وزارة الثقافة للإشراف رسميا على تلك التظاهرة.
هذا و كانت تحدث في شنقيط مناسبات ثقافية يحز في نفسي أن يغيب عنها الأستاذ سيد احمد .. ولكنني كنت أحرص على تمثيله فيها تمثيلا حده أنه خير من الغياب..
وسأقتصر من صور هذا التمثيل المذكور على أمرين فقط:
أولا:
زار مدينة شنقيط سفير الولايات المتحدة الأمريكية سعادة لبارون وتنفيذا لتعليمات سامية أحاطته كافة السلطات المحلية بما هو أهله من ضيافة وإكرام.
وبينما كنا نتناول العشاء في نزل سياحي مريح في "تندوعلِ" بضاحية شنقيط الشرقية على حافة البطحاء إذ فاجأنا بقوله بعربيته الدبلوماسية البسيطة إنه يحبُّ أن يرى بأم عينه في العاصمة الثقافية لبلاد شنقيط أرض المليون شاعرا شعرا عربيا مرتجلا..
و نظرا للطابع الخاص للزيارة فقد كان مجلسنا يقتصر على الرسميين و لذلك وجدتُ نفسي أمامَ الأمر الواقع إذ تعيَّن عليَّ أن أتصرَّف. و ببركة المكان و ربما الزمان أيضا لأن الليلة كانت ليلة جمعة قلت:
يا مرحبا بسفير جاء زائرنا== بأرض شنقيط حيث العلم يقتطف
والمجد مقتطف منها ومقتطف == منها الإباء منَ آباء لنا سلفوا
ومرحبا قولها باللفظ متحد ==لكنها باختلاف الناس تختلف
وعلى ركاكة هذه الأبيات فقد أربكتني أي أرباك إذ حرصت فيها على ان لا أقول من المعني إلا ما يناسب المقام.
ولكن سعادة السفير رفع سقف طلباته إلى أبعد من ذلك فطلب أن يرى كذلك شعرا حسانيا مرتجلا كذلك وهنا لم أتكلف كبيرَ عناء بل قلت:
سعادت لبارون ==يختير أبلا خلاف
ينكال الليل هون ==كاف أراعِ ذ كاف
أما المرة الثانية فهي أن شنقيط قد احتضنت أيام 7-8-9 أغشت 2004 أياما تفكيرية حول إصلاح القضاء بتمويل من البنك الدولي. وكان من منظمي هذا الملتقى فقيد الثقافة والأخلاق المرحوم محمد سعيد بن همدي.
حضر هذا الملتقى جل المثقفين و العلماء والآباء من هذا البلد وعلى رأسهم فضيلة العلامة لمرابط محمد سالم بن عدود رحمه الله إلى جانب العلامة حمدا بن التاه و محمد المختار بن امباله ومن الأدباء الشاعر الكبير أحمدو بن عبد القادر وغيرهم كثير ولم يكن الأستاذ سيد احمد في موريتانيا آنذاك.
وفي الجلسة الافتتاحية الرسمية ألقى لمرابط محمد سالم الأبيات التالية:
أيام شنقيط للتفكير مشهوده ==و أرضها لقرى الأضياف معهوده
وقد دعتنا لتطوير القضاء معا == فليبذل الكل في التطوير مجهوده
بما يحقق شرع الله جل وما ==تغدو به سبل الإجراء ممهوده
حضر هذا الملتقى جل المثقفين و العلماء والآباء من هذا البلد وعلى رأسهم فضيلة العلامة لمرابط محمد سالم بن عدود رحمه الله إلى جانب العلامة حمدا بن التاه و محمد المختار بن امباله ومن الأدباء الشاعر الكبير أحمدو بن عبد القادر وغيرهم كثير ولم يكن الأستاذ سيد احمد في موريتانيا آنذاك.
وفي الجلسة الافتتاحية الرسمية ألقى لمرابط محمد سالم الأبيات التالية:
أيام شنقيط للتفكير مشهوده ==و أرضها لقرى الأضياف معهوده
وقد دعتنا لتطوير القضاء معا == فليبذل الكل في التطوير مجهوده
بما يحقق شرع الله جل وما ==تغدو به سبل الإجراء ممهوده
وبعد انتهاء الأيام الثلاثة التي استغرقها الملتقى، انعقدت الجلسة الختامية بغياب لمرابط محمد سالم الذي غادر المدينة مبكرا لظروف صحية. وهنا عن لي أن أخاطب ذلك الجمع المهيب باسم مدينة شنقيط مودعا ومنبها إلى بعض ما نبه إليه لمرابط محمد سالم نفسه فقلت:
يا ملتقى لست أدري للوفا ماذا == أسدي إليه جماعات وأفذاذا
أدعو بحق مواثيق لنا جمعت == لا كان آخر عهد بيننا هذا
جزى الله عنا الأستاذ سيد أحمد ولد الديْ و أبقاه ذخرا للبلاد.
يا ملتقى لست أدري للوفا ماذا == أسدي إليه جماعات وأفذاذا
أدعو بحق مواثيق لنا جمعت == لا كان آخر عهد بيننا هذا
جزى الله عنا الأستاذ سيد أحمد ولد الديْ و أبقاه ذخرا للبلاد.
Commentaires
Enregistrer un commentaire