سرعة البديهة في أدب أهل هدَّار..

سرعة البديهة في أدب أهل هدَّار..
أخبرني أخي محمد بن المختار بن عابدين حفظه الله قال:
 عدت إلى الأهل في تكند لأقضي معهم عطلتي السنوية بعد سنة كاملة من العمل الجاد في سلك الدرك الوطني في مقاطعة ألاكْ من ولاية لبراكنه..و كالعادة وَعَدْتُ هدَّار رحمه الله بهدية تتمثل في مبلغ من المال فورما أقوم بزيارة أعتزمها إلى روصو (لكْوارب ) عاصمة ولاية الترارزه لسحب راتبي المتأخر من الخزينة الجهوية هناك.

و تمر الأيام بسرعة بل و الأسابيع كذلك دون أن أنجز للوالد ما تعهدتُ له به.
انقضت الإجازة و أزِف العَود و تناسيتُ الوُعود فجئت مساء يوم إلى المنزل فلفت انتباهي "درَّاعة" فائق لونها جيِّد تطريزها نمَّ بوجودها في ركن غربي خفي من البيت لمعانها و هي تعكس بزرقتها المتلألئة أشعة فضية هادئة ترسلها الشمس مُودِّعة من وراء المحيط في ساعة الغروب.
 كان الوالد رحمه الله جالسا في الجانب الشرقي من البيت متجها نحو القبلة و عن يمينه إناء به وَضوء و هو يستاك بأناة استعدادا للوضوء للتهيئة لأداء الصلاة .
شاقني الثوب كثيرا بقدر ما خفت أن يسبقني إلي طلبه غيري فاقتربت من الوالد و بادرت بالقول كالمرتجل:
ما تكَلعْ شِ حد إلى هونْ == عندُ عادْ أُ ذاكْ المظنونْ
درَّاعَ درَّاعتْ بطرونْ == أُ حد إلى بيهَ شور " أَلاكْ "
 صيفطنِ (ما تكَلع شِ كون == أَلِّ تكلع ش عن لخلاك)!
و تنبَّهوا معي جيِّدا كيف أحسن الابن الأديب و هو الباديء في تضمين نهاية طلعة امحمد بن أحمد يوره المشهوره التي هي:
ما تكلع ش حد امِّن هون == انفد مغي و اكرظ من دون
علب المارد و اكرد لعيون == من بل ٱمنين العلب اركاك
و إلى جَ واطِ فالميمون == و افكيرينات أُ ما ينظاك
 املِّ (ما تكلع ش كون == ألِّ تكَلع شِ عن لخلاكْ)!
قال محمد: و إن أنس لا أنسَ الوالد رحمه الله يرتجل الجواب ارتجالا و قد ضايقه وقت المغرب و هو يواصل السواك بهدوئه المعهود و في ابتسام لا يَخفى من ورائه انشغال الذهن بالتفكير فأجابني مسترسلا بوتيرة المتحدث معك حديثا طبيعيا :
ثوب أَصلك من عندِ تبغيهْ == مانك محتاج البدع أعليهْ
أُ ذاك ٱلْ كنت امنكْفر لِ بيهْ == و ٱتكُول ٱنُّ يخلك لَتاكْ
حدْ أعلَ لكْوارب ناسيه؟ == أُ خوف امسالَ تعكَر لخلاكْ
 خلِّيه (الخلاَّكْ أخبر فيه == و ألِّ ينفع فيه الخلاَّكْ)!
أن يرتجل الشاعر أي شاعر أحرى من آل هدَّار طلعة فيحسن فيها التضمين و هو ذو حرية مطلقة في اختيار البتِّ و الرَّوي فهذا إبداع جميل و لا شكَّ ، أما أن يرتجل مجيبا فيضمِّن كذلك ملتزما بالشكل و المضمون و حتى بالموقع من النص الأصلي و تحت إكراهات البتّ و الرويِّ كما فعل الوالد مع ابنه في طلعته هذه ، فهذه عين العبقرية الحقة في أوضح تجلياتها.
أبدع المختار بن عابدين بن هدَّار رحمه الله إذ أجاب ابنه مرتجلا طلعة ضمَّنها عفويا نهاية كافٍ طلعة بديعة لشاعر مشهور آخر بل و يشترك معه في ذات الإسم كذلك هو امحمد بن مُحمد بن هدَّار التي هي:
ألاَّ لكنت إلى غنيت == أَعلَ منت اجريفين اتليت
نجبر تعبير ابتافلويت == اتبرد ل فيها لخلاك
انغن بعد إلى كديت == غير التعبير افرغ لى مَا كْ
كِلْتُ أُلا فت اعتنت أَعليه == خليتُ فخلاكِي يدَّاك
 ش فم (الخلاك أخبر فيه == و أَلِّ ينفع فيه الخلاك) !
قال محدثي: ثم كفَّ الوالد رحمه الله عن السواك و بادر فتوضأ و انطلق إلى المسجد فأدرك الصلاة.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

فصل الغزل و النسيب من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره

الشيخ التراد ولد العباس: قصتي مع الديوان...

فصل الغزل من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره..