الثقة المتبادلة قوة دافعة للعمل المشترك..تأبين الوزير محمد ولد خونه رحمه الله


الثقة المتبادلة قوة دافعة للعمل المشترك..
رحم الله الوزير محمد بن خونَ برحمته الواسعة و آجر فيه أسرته و ذويه و جعل منهم خير خلف لخير سلف .
عملتُ معه أمينا عامًّا عامًا كاملا حين كان يشغل منصب وزير التشغيل و الدمج و التكوين المهني و تقنيات الإعلام و الإتصال .
كانت بيننا الكثير من عوامل الإئْتلاف و القليل من عوامل الإختلاف .و كانت الأخيرة تتعلق أساسا بفارق السن و اختلاف التكوين و تفاوت التجربة.ذلك أنني كنت أكبره بعقد من الزمن و كان مهندس دولة في الطاقة و كنت أزاوج بين الصحافة و الإدارة و كان قد خاض تجربته المهنية في مرحلة ما قبل تقلده الوزارة مديرا لقطاع التكوين المهني في شركة معدنية مختطة هي " سنيم " بينما شملت تجربتي المهنية قطاعات الصحافة و الصيد البحري و التدريس في سلك التعليم العالي و الإدارة العمومية بشقيْها المركزي و الإقليمي.
و لحسن الحظ لم يكن ذلك التفاوت الواضح بيننا في المجاليْن النظري و التطبيقي مُعيقا للتفاهم بيننا و لا للعمل بل كونَّا فريقا متكاملا و إن كانت آراؤنا لا تتطابق دائما حول مدى استيعاب بعض المبادرات و إجراأت تنفيذها فيما بعد.
ولكن رأيه كرأي أي رئيس ظل بطبيعة الحال مرجِّحا في كل الحالات.
و هكذا يُجمع طاقمُ الوزارة على أن القطاع عرف في ذلك العهد مبادرات مهمة بل يصفها بالخارقة منها أساسا:
1 -إنشاء لجنة للمنح خاصة بالتكوين التقني و المهني مراعاة لخصوصية القطاع
2 - إنشاء صندوق صرف خاص بالتكوين التقني و المهني لمواكبة الضرورات الملحة للتكوين التقني و المهني.
3 - و ضع آلية فعَّالة لصناعة و تركيب و نقل الطاولات المدرسية في إطار هيئة مشتركة بين الوزارة و مشروع التهذيب الوطني التابع آنذاك لوزارة الإقتصاد و التنمية و وزارة التهذيب الوطني.
و كانت لمشروع الطاولات المدرسية هذا هيآت ثلاث إحداهنَّ مستقلة للتسير يديرها مدير المعهد الوطني لترقية التكوين التقني و المهني و الثانية فنية بحتة للتخطيط و الثالثة للإشراف و المتابعة تشترك فيها القطاعات المذكورة و تُعهد رئاستها إلي كأمين عام للوزارة.
بفضل هذا المشروع أصبحت الطاولات المدرسية إنتاجا محليا و تضاعفت صلابة الطاولة و انخفضت تكلفتها الإجمالية إلى 17.000 أوقية فقط.
4 - إنشاء " الموريتانية الدولية للإتصالات " IMT و هي تجمُّع ذو نفع اقتصادي يعهد إليه بمهمة تسيير الكابل البحري " آيس" الناقل للإتصالات و هي مؤسسة أو قل رابطة تشترك في تمويلها الدولة ممثلة في موريبوصت مع بقية شركات الإتصال و بعض الخصوصيين.
و قد كان دون الصيغة التي نريدها لهذا التمويل و نعمل جاهدين على تحقيقها خرط القتاد إذ تتضارب فيها مصالح شركات دولية عملاقة و خاصة شركتا Vivendi بواسطة فرعها SFR و France Télécom و الشركة الفرنسية الآمريكية المنفذة للمشروع Alcatel – Lucent.
و هو مشروع ضخم لوضع و تسيير ذلك الكابل الممتد في عرض المحيط الأطلسي على طول 000 17 كلم و يربط بين مدينة Penmarch في شمال فرنسا و Cap town في جنوب افريقيا و تستفيد منه 26 دولة افريقية من ضمنها بلادنا.
و الله وحده يعلم كم تجشمنا من عناء من أجل التوصل إلى هذا الهدف الذي استكملت به الدولة سيادتها في الميدان بعد أن كانت معلوماتُنا تمر عبر السنغال و تضاعفت به قدراتنا الوطنية في مجال الإتصالات إذ وصلت بوصول الكابل البحري إلى سَعَة احتياطية في تدفق المعلومات قدرُها 40 جيغا في الثانية و من المنتظر أن تتضاعف في نهاية السنة الحالية 2016.
و تستخدم شركات الإتصال من هذا الإحتياطي اليوم 8 جيغا في الثانية بدل جيغا واحد كانت تشتريه من السنغال قبل وصول الكابل .
كان الوزير محمد بن خونَ رحمه الله يفوِّضني كافة الصلاحيات في تسيير ذلك الملف إلى أن توصلت بصعوبة كبيرة إلى حل وسط مع المساهمين و ترأستُ باسم الدولة الجمعية العمومية المؤسسة للرابطة .
رحم الله محمد بن لكحل الرئيس الأسبق لسلطة التنظيم فقد أبلى بلاءً حسنا هو الآخرفي تلك المعركة الضارية.
و آمل من كل قلبي أن يُقيِّض الله من المسؤولين المباشرين عن تنفيذ هذه المشاريع من يكتب عنها بكل موضوعية و تجرُّد حتى يتَّضح حجم العمل الذي أنجزه الفقيد في تلك المرحلة على الأقل.
و في أحد الأيام استدعاني الوزير بعد عودته من الإجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء و قال لي : " يؤسفني أن أعلن لك أن مجلس الوزاء قد قرر إنهاء مهامك "! قلت له بداهةً: إنما أنا وكيلٌ من وكلاء الدولة و كما لا أَسأل عن أسباب التعيين فإنني لا أسأل كذلك عن أسباب الإقالة ! ثم قلت: إذن فعليكم معالي الوزير أن تتابعوا موضوع سفر الطلاب المهنيين الممنوحين إلى الخارج منذ دورة أغشت المنصرم، إذ لو أسعفهم مالهم أو جاههم لسافروا على حسابهم و طالبوا بالتعويض فيما بعد! ثم ودعته و غادرت الوزارة. و كان ذلك بتاريخ 30 دجمبر 2010.
و كان أول لقاء بيننا بعد ذلك يوم 6 فبراير 2011 في قاعة انتظار معالي الوزير الأول فقال لي مجاملا : لقد أعطيتَ دفعا قويا للوزارة !فقلت:إنما كانت هنالك قوة دافعة حقا هي الثقة المتبادلة! ثم أردف قائلا على وجه الدعابة : " ما صدَّقني أحد ممَّن ذكرتُ لهمْ كيف كانت ردَّة فعلك عندما أخبرتكَ بنبأ الإقالة!"
و قد زرته مرات عديدة في مكتبه إحداهن عندما كان في وزارة النفط و الطاقة و المعادن فاستقبلني بصدر رحب و سقاني من لبن الإبل الطري و من الشاي المنعنعِ و أمر معاونيه بالإسراع بتأدية مهمتي على أكمل وجه فامتثلوا أمره طائعين.
و لقيته بعد ذلك ضمن الوفد الرئاسي إبَّان تدشين شبكة الكهرباء في الحي فما فتيء يداعبني فيقول: و كأني بك تفتتح محطة للوقود على هذا الطريق المعبد الجديد فترفع اسمي شعارا عليها!
تابعته مؤخرا عبر التلفزة الوطنية في برنامج " في ميزان الشعب " و قد أشفقتُ عليه كثيرا لتعقُّد قطاعه و لِقِصَرِ عهْدِه فيه فإذا به يُجِيب ببراءة قلبه الصفيِّ و بأريحيته المعروفة و ذكائه المعهود.
فجزاه الله عنَّا بأحسن جزائه .كان الله له خليفةً في أهله و كان لأهله فيه خليفةً و إنا لله و إنا إليه راجعون.
رحم الله السلف و بارك في الخلف.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

فصل الغزل و النسيب من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره

الشيخ التراد ولد العباس: قصتي مع الديوان...

فصل الغزل من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره..