فيراجْ أَدرْواتْ ..

فِيراجْ آدِرْواتْ ..

في خضمِّ الانتخابات النيابية و التشريعية المنظمة 2013 م ، احتُجز أحد أفراد الأسرة في إحدى المصحات الخصوصية الراقية في انواكشوط .
و كان يتناول حقنات منتظمة على ثلاث فترات موزعة بين الصباح و الزوال و الليل . و تسهيلاً للعمل ترك الأطباء في أحد ساعديْهِ أداة رفيفة من البلاستيك  قابعة وسط الوريد و مثبتة بالغراء اللاصق على الجسم و هي مقفلة بإحكام حتى لا يتسرب الدم .و هي بمثابة قفل للوريد يفتح و يُقفل بسهولة عند الحاجة.
و ما كنت أعيد المريض في مواقيت الدوام الرسمي إلاَّ لماماً بسبب ضغط العمل .
و صادف أن زرته ضحى ذات يوم ، و ما إن جلست بإزائه حتى قدم أحد الممرضين و هو يشهر حقنة بيده اليمنىَ و يهمُّ بفتح الوريد لينفذ السائل بداخله ! و هرعتُ إليه تلقائياً أغالبهُ لأستفهمَ ظنًا مني أن برنامج العلاج قد تغيَّرَ و لأياً ما استجاب !و لا زلنا كذلك و أنا أحاول جاهدا إقناعه حتى ألهمه الله أنه أخطأ طريقه إذ المعنيُّ هو المريض المحجوز في الغرفة المقابلة !! و من لباقة ذلك الممرض أنه عاد بعد حين ليعتذر :" أسمحولِ آن اگبيْلْ اغلطتْ : كنتْ يالَّ انعدَّلْ  فِراجْ آدِرْواتْ شوْرُ هوَّ ماهُ آگوْشْ شوْرْكمْ انتومَ !!
و مما شاهدتهُ في تلك الفترة و بذات المناسبة بخصوص الأدوية المزورة ، أننا عندما غادر مريضنا المستشفى أمرنا بمواصلة العلاج ، و كنا قد اشترينا الحقنات من إحدى الصيلياتِ و كانت مفقودة في السوق آنذاك .و بطبيعة الحال ، عمدناَ إلى من يُنفذها للمريض و لكن في العضلات هذه المرة لا في الوريد . و أذكر أن ذلك الممرض الحاقنَ لا زال يشيد بصبر ذلك المريض الذي يتحمل بشجاعة فائقة ذلك الألم المبرِّحَ الذي اشتهرت به تلك الحقنة المتميزة من بين مثيلاتها . و يبدو أن ذلك الاعجاب كان متبادلاً بين الشخصين إذ في المقابل لا يزال المريض يشيد بذلك الممرض ذي اليد " الباردة " الشافية الكافية التي تنفذ  الإبر بتلك التقنية العالية التي يبدل الله بها الألم أملاً و الخوف أمنا .. و لا زلنا كذلك حتى منَّ الله علينا من عظيم لطفه و واسع كرمه أن نفدت الحقن من صيدليتناَ التي كانت تحتكر منها آخر كمية متوفرة على امتداد التراب الوطني .
و صادفتُ صديقي التيجاني ولد سيد أحمد و هو المدير الإداري و المالي للجنة الانتخابية مسافراً سفراً خاطفاً إلى دكار فأوصيتهُ فعاد إليَّ جزاه الله خيراً بكمية كافية من الحقنة المفقودة .
و ما إن بدأنا استخدام هذه الحقن المستوردة  من وراء الحدود حتى فقدت الثقة بين الممرض و المريض و انقلبت الموازين رأساً على عقب فاستحال صبر المريض جبناً لا يليق بمثله و اتخذتْ يد الممرض الشافية صفة منافية إذ أصبح للحقنة آلامٌ مبرِّحةٌ بحيث يستوجب استخدامها أن تمزج بسائلٍ إضافي يخفف الألم.
عندئذ فقط تنبهنا و كأننا كنا في سُبات عميق ، فإذا الدواء مزور و ذلك ما يفسر  لنا ظاهرتين : أولاهما تخلفه في رفوف تلك الصيدلية النائية و انفرادها بخصوصية تسويقه دون غيرها من الصيدليات إذ كان نافداً في الأسواق ، و ثانيهما  افتقاده لسمته المميزة و هي إيلامه المفرط عند الاستخدام !
نقل لي ثقة عن بعض الأخصائيين السنغاليين المشهورين قوله : " إن الأطباء الموريتانيين لا يفتقرون إلى الخبرة و إنما النقص من جودة الأدوية ".
قلت : لعل الحملة الشعواءَ على الأدوية المزورة التي استهلَّ بها معالي وزير الصحة الجديد برنامجه الإصلاحي تكون قد آتت أكلها إن شاء الله.
حفظ الله موريتانيا.

رحم الله السلف و بارك في الخلف.

نذيرُ لا اتولِّ گالُ أهل فيْسْ بوك!

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

فصل الغزل و النسيب من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره

الشيخ التراد ولد العباس: قصتي مع الديوان...

فصل الغزل من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره..