الرئيس و نائبه ..

من صفحة Mohameden Ould Sidi Bedena 


التاريخ : 20 يونيو 2020 م


الرئيس و نائبه ..


يتداول المدونون هذه الأيام على نطاق واسع قصة وقعت لصديقنا الإداري اللامع الداه بن عبد الجليلتتعلق بمظهر بريءٍ من مظاهر مخلفات العبودية في البلاد و هو إذ ذاك والي ولاية گيدماغه.

و ذكرتني تلك الحادثة الغريبة ما حصل معي شخصيًا في كيهيدي عاصمة ولاية گورگول .

ذلك أنني عُيِّنتُ يوم الأربُعاء 16 يناير 1991 حاكما لمقاطعة كيهيدي فصادف استلامي للعمل بها إعادةتشكيل هياكل تهذيب الجماهير إبتداءً من الانتساب في الخلايا و انتهاءً بانتخاب اللجنة الجهوية علىمستوى الولاية مرورًا بتنصيب اللجان في الأحياء و المقاطعات ، و كل ذلك كان يتم بإشراف السلطاتالإدارية .

و لعل النظام كان يرمي من وراء ذلك التجديد إلى هدفيْن : أولهما استعادة الثقة المفقودة بين الإدارة والمواطنين بعد الأحداث المشؤومة لسنتي 1989-1990 ، و ثانيهما تجريب تجربة هياكل تهذيب الجماهيرتمهيدا لاستفتاء 12 يوليو 1991 اللاحقِ المؤذن بانطلاق المسلسل الديمقراطي في البلاد .

و في إحدى الليالي المخصصة لتنصيب لجنة الحيِّ في "گتاگهْ " حيث يكاد ينحصر سكان السوننكيِفي مدينة كيهيدي، 

تداعى الجميع إلى " چنگرهْ " و هي ذلك المكان العام الذي تلتئم  فيه جماعة الحل و العقد من القوملتتخذ أخطر القرارات المتعلقة بأمورها العامة .

كنا ليلتئذ في ضيافة الزعيم التقليدي للسوننكي و هو رجل الأعمال ذو الخلق الطيب محمدو كويتا رحمهالله و هو أخو الرئيس الأسبق للبرلمان يوسف كويتا و عم عمدة كيهيدي آنذاك صديقي تيجان كويتا .

و في صمتٍ مطبق و بهدوء منقطع النظير ، تم التصويت على لجنة الحي برئيسها و أعضائها ، و  أعددْنا محضراً بالنتائج و هنأنا المسؤولين السياسيين في الحي و ذكرناهم بمسؤولياتهم الجديدة علىضوء التوجيهات الرسمية الواردة إلينا من القطاع الوصيِّ في الإدارة المركزية و هو الأمانة الدائمة للجنةالعسكرية برئاسة العقيد محمد الأمين بن انچيان رحمه الله ، ثم ودعنا الحاضرين و انصرفنا من المكان.

و في الصباح الباكر من اليوم الموالي فوجئتُ بآلاف مؤلفة من المواطنين  من السوننْكي خاصة تقتحممنزلي في صورة احتجاجية هادئة و لكنها صارمة .و بينما أنا أتشاور مع المصالح الأمنية في الموضوعإذْ أبصرت من بين المتظاهرين السكرتيرة الخاصة للمقاطعة فاستدعيتُها لأسألها عن السبب في هذاالاقتحام الباكر من مجموعتها المسالمة !و بجوابها الصريح حلَّ التعجب و الاستغراب محلَّ أي شيءآخر .إن السبب في هذه الانتفاضة المدوية المنطلقة مع بزوغ الشمس و المتجهة إلى المنزل بدل المكتب ،هو أن رئاسة مكتب حي گتاگه المشكل ليلة البارحة بحضور جماعة الأعيان ، قد آلت بالتصويت طبعاًإلى عبدٍ من عبيد القوم .و ليتَ أمرُ الرئيس الجديد قد اقتصر على هذا الحد ، بل إنما تعداهُ إلى أشنعمن ذلك إذْ أن نجاحه كان على حساب سيده المترشح باسم الجماعة الذي حطَّه التصويت قسراً إلىمرتبة دونية هي النائب لعبده الرئيس  الجديد ! و بطبيعة الحال لم يجد المحتجون عناءً كبيراً فياكتشاف " المؤامرة الإنتخابية " المدبرة في جُنُح الظلام ضدَّ الجماعة النافذة من قبيلة السوننْكي و هيمؤامرة تم تدبيرها بالتمالؤ بين فئة قليلةٍ معارضة من المتحررين منهمْ و بين أسر معدودة من الهالبولارالذين أقحمهم التخطيط الجغرافي في صميم حيِّ گاتگا فأصبحوا فيه غرباء في حرية التعبير علىالأقل في وسط منغلق على نفسه ، موغلٍ في المحافظة !

هذا و بعد أن اتضح  لي الأمر بما يلفه من غموض ، سرعان ما توصلت إلى حل وسط مع المتظاهرينيقضي بفض اجتماعهم مقابل أن أستقبل مناديبَهم في المكتب لاحقا لمناقشة الموضوع.

و بإشارة خاطفة من قائد المظاهرة ، اختفى هؤلاء بأسرع من لمح البصر بالسرعة التي انتدبوا بهاممثلين عنهم حضروا إلى المكتب من بينهم جميع أعضاء مكتب الحي بمن فيهم الرئيس المنتخب و نائبهمحلُّ الاعتراض.

 و هكذا بدأنا المفاوضات حول موضوع لا سبيل فيه في ظاهر الأمر إلى التنازل و تفاءلتُ كثيرا بحضوررئيس الحيِّ الذي كنت أتوسم فيه أن يدعمني بمزيد من الحجج باعتباره الطرف المظلوم المتضرر خاصةأن لذلك سبباً مضاعفاً هو علاقته العضوية بالإدارة بصفته رئيس مصلحة جهوية من أهم المصالحاللامُمَركزة في الولايةو لذلك سرعان ما استجبتُ لطلبه في الكلام ، لكنَّ دهشتي كانت كبيرة عندما قالإنه جاء بمحض إرادته ليصرح علناً بتنازله طواعية عن منصبه في السياسة لصالح سيِّده نائب الرئيس !و بإصراره  على ذلك لم يترك أمامي من وسيلة سوى تحرير محضر بتصريحه و رفع القضية للسلطاتالإدارية و السياسية العليا المختصة !

و لم تزل الجماعة المعنية تتابع باهتمام شديد مسار ذلك الملف في جميع مراحله حتى إذا ما اندلعتْحملة إعلامية مسعورة ضدَّ النظام تؤججها تصريحات جهنمية في الإعلام الرسمي في كل من فرنسا والسنغال ، كادت أن تعود بالمنطقة إلى دوامة البلبلة و الإضطراب لولا أن أعلن عن التوجه الديمقراطيِّالجديد و عن تنظيم استفتاء وشيك على مشروع للدستور ،  فجاءت عوارضُ سلمى دون ميٍّ عوارضاً وأيُّ عوارض تلك التي قلبت الأوضاع الوطنية كلها رأسا على عقب .

هذا و كانت الحملة الإعلامية المذكورة ممهدة لتنفيذ مضمون ذلك الخطاب الذي كان الرئيس الفرنسيميتران قد ألقاه في مثل هذا اليوم أي 20 يونيو من سنة 1990 في مركز بلدية " لاَ بول " الفرنسية واشتهر باسمها و طالب فيه بالإسراع في تطبيق الديمقراطية و ضمان الحريات الفردية و الجماعيةللمواطنين و ذلك بمناسبة انعقاد الدورة السادسة عشرة ( 16) لمؤتمر رؤساء الدول الأفريقية و فرنسا وحضره آنذاك (37 ) رئيسا أفريقيا . .


رحم الله السلف و بارك في الخلف .

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

فصل الغزل و النسيب من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره

الشيخ التراد ولد العباس: قصتي مع الديوان...

فصل الغزل من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره..