انتصارٌ و انكسار ..
انتصار و انكسار ..
تتداولت وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام تسجيلا بالصوت و الصورة للعلامة المصري محمد متولي الشعراوي يمدح فيه شيخه الجزائري العالم الرباني الشيخ محمد بلقايد التلمساني المتوفى سنة 1998 م.
و للتذكير اقول لقد اخذ الشيخ محمد متولي الشعراوي الطريقة الشاذلية عن الشيخ محمد بلقايد التلمساني هو و علماء كبار من المشرق .
و قد تصدر الشيخ محمد بلقايد التلمساني على يد الشيخ الشريف الكامل سيدي الحاج محمد بن أحمد بن عبد الرحمن العزاوي الشهير بالهبري صاحب الطريقة الشاذلية الهبرية المعروفة باسمه و لما يبلغ السادسة عشر من عمره و الشيخ الهبري هذا اخذ عن الشيخ محمد بن قدور الوكيلي الكركري ( 1214هـ -1284هـ / 1801-1869م ) نسبة الى جبل كركر المعروف و هو مريد الشيخ سيدي محمد بن عبد القادر الوكيلي الملقب الباشا المتوفى سنة 1262هـ / 1843م.
اما الشيخ سيدي محمد بن عبد القادر الوكيلي هذا فهو مريد الشيخ المغربي الأعظم مولاي العربي الدرقاوي (ت 1239هـ) شيخ الطريقة الشاذلية المشتهرة في المغرب و الجزائر تحت اسم الطريقة الدرقوية.و من تلامذته كذلك الشيخ عبد الواحد الدباغ الذي هو شيخ الشيخ الكبير ابي بكر بناني مؤلف كتاب مدارج السلوك إلى مالك الملوك الذي هو من بين المراجع الصوفية النفيسة المتداولة في هذه الربوع.
أما الشيخ مولاي العربي الدرقوي فقد اخذ عن الشيخ ابي الحسن علي الجمل المشهور الذي اخذ عن الشيخ محمد العربي بن احمد بن عبد الله معن الفاسي المتوفى سنة 1166 هجرية موافق 1753 ميلادية. و كان الشيخ محمد العربي ذا شان عظيم اذ ذكر الشيخ سيدي احمد التيجاني في كتابه جواهر المعاني انه لقيه و تبرك به و كذلك ذكر الشيخ سيدي محمد التاودي المري.
و بالمناسبة فللشيخ محمد متولي الشعراوي في شيخه التلمساني شعر جميل منه قوله :
نور القلوب و ريّ روح الوارد == هــبـرية تدني الـوصـول لعابــد
تـزهـو بسلسلة لهـا ذهـبيــــة == من شاهد للمصطفى عن شاهد
طوفت في شرق البلاد وغربهـا == و بحثت جهـــدي عــن إمـــام رائـــــد
فهـداني الوهـاب جـــل جـــلالـــــه == حتى وجـدت بتلمسان مقاصـــــدي
و اليوم آخد نورها عن شيخـــنــــا == محيي الـــطـــــريق محمد بلــــقــايــــد
إلي أن يقول :
شاهد رسـول الله فـيـه فــإنـــه == إرث تـورث ماجـدا عـن ماجد
فإذا وصلت به لنور المصطفى == فالمصطفى لله أهــــــدى قائـــد
و يشتهر الشيخ بالتربية و الصلاح و لكنه يشتهركذلك بغزارة علمه و تواضعه.
من ذلك انه انتصر يوما في محفل علمي إسلامي كبير للإمام مالك بن انس فجاء بالعجب العجاب فقام اليه الشيخ محمد الغزالي و بعض الشيوخ الكبار معه يهنئونه على حسن تدخله
و يلتمسون منه الدعاء فغلب عليه حال شديد من الانكسار و ذرفت عيناه غلبة و هو يردد بخشوع و بصوت خافت قول الشاعر:
يظنون بي خيرا و مابي من خير== و لكنني عبد ظلوم كما تــدرى
سترت عيوبي كلها عن عـيونهـم == و ألبستني ثوبا جميلا من الستـر
فصاروا يحبوني و ما أنا بالذي == يحــب و لكن شبهـوني بالـغـيـر
فلا تفضحني في القيامة بينهم == و كن لي يا مولاى في موقف الحشر
و قد ذكرني حال الشيخ التلمساني هذا بحال الشيخ محمد العاقل عندما خاطبه تلميذه محمد والد بن خالنا في قطعة شعرية مشهورة يثني عليه فيها و يسأله هل يمكن اخراج زكاة الفطر من اللبن المحض خلافا للمشهور على ما افتى به البعض من العلماء الكبار انذاك فانتصر و انكسر.انتصر في الشريعة لمشهور مذهب الإمام مالك و انكسر في الحقيقة من فرط الإطراء و أجاب تلميذه السائل بقطعة على ذات البحر و الروي يضمن فيها ذات الأبيات التي وردت عفويا على لسان الشيخ التلمساني.
قال العلامة محمد العاقل في جوابه منكسرا :
عليك من الرحمن أزكى تحية== وأنمى سلام فائحين مدى الدهر
وجاد بعفو شامل عم سيبه == ذنوبك حتى ما تقولتَ في الشعر
على أنني فيما تقولتَ منشدا == ولا هضم ما قالته بعض ذوي الخير :
سترت عيوبي كلها عن عيونهم == وألبستني ثوبا جميلا من الستر
فصاروا يحبوني و ما أنا بالذي == يحب ولكن شبهوني بالغير..
الى ان قال منتصرا :
وأما أقاويل الفحول التي ترى == سقوطا أو التخفيف بالوسع في الأمر
فلسنا إليها إننا مالكية == ندور مع المشهور في السهل والوعر
رحم الله السلف و بارك في الخلف.
Commentaires
Enregistrer un commentaire