الشيخ التراد الشاعر ..
الشيخ التراد الشاعر ..
قيل إن شيخنا الشيخ سيديَّ بن المختار بن هيبه لما قدم إلى شيخنا الشيخ سيد المختار الكنتي أول مرة سأله عن اسمه فقال له : اسمي سيديَ فأعاد عليه السؤال مستفهما : سيديَ أم هُدِيَ ؟ كررها أكثر من مرة ! و رويتُ عن الخليفة الشيخ ابراهيم بن الشيخ سيد المختار بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيديَّ الكبير ناقلا عن الشيخ عبد الله بن داداه أنه أتى أحمدْ بن بابَ بن الشيخ سيديَّ يطلب منه تزكية نفسه فاعتذر له ولكنه أرشده قائلا :" استدعاني الوالد بابَ بن الشيخ سيديَّ مرة وناولني مبلغا من المال و قال : أسرعْ لعلك تدرك ذلك الضيف الشريف الشاب من آل الشيخ محمد فاضل القادم من حضرة عمه الشيخ سعد أبيه بن الشيخ محمد فاضل بعد أن صدَّره واسمه التراد أو المراد فسلِّمه هذه الهدية .. ثم أردف قائلا بالحسانية : " إلعادتْ مزالتْ فَمْ ندوة عند الشيخ سعد بوه أراهوالكْ بعدْ اطفگْهَ امعاهْ " ! كانت تلك التزكية حاسمة في قرار الشيخ عبد الله بن داداه بالرحيل فورا إلى الشيخ التراد بن العباس في الحوض الشرقي و التلمذ عليه.
هذا و كان الشيخ التراد بن العباس قد عرَّج في طريقه من النمجاطِ على الشيخ سيديَّ باب في بوتلميت و عقد معه جلسة خاطفة تبادلا خلالها الثقة مُطلقةً فضلا عن بعض الآراء العابرة .. ويروي بعض الثقاة من أحفاد الشيخ التراد أن تلك الهدية التي تلقاها الشيخ الجد يومئذٍ من الشيخ سيديَّ باب قد غيرتٌ وجهته في السفر إذ توجه مباشرة إلى مدينة اندرْ في السنغال لاقتناء الكتب إثراءً لمكتبته في الحوض الشرقي .. و تمر الأيام و يعود الشيخ الى مسقط رأسه و تطبق شهرته الآفاق و تنتشر طريقته في عمومِ البلاد كالنار في الهشيم على أيدي تلامذته المتميزين و من أبرزهم الشيخ عبد الله بن داداه .. و في إحدى الليالي السنغالية تجمع
الصدفة بين أحد مريدي الشيخ التراد هو سيديَ بن محمد جدُّ الناصري و بين الشيخ أبي مدين ابن شيخنا الشيخ أحمدُّ بن اسليمان فينعقد بينهما سمر ماتع أخذا فيه من كل فن بطرف ..و فجأة قال أبو مدين لجليسه المريد حدثني عن شيخك ! ولكم أن تتصورا مدى نشوة المريد عندئذ .. فما كان منه الا استجمع قواه و انتقى لغته و اجتهد في تعبيره و تحدث عن علوّ كعب شيخه في كل الفنون ..تحدث عن الشيخ المربي و العالم العامل و اللغوي اللوذعيّ و النحوي الفائق والبيانيّ المبين والكريم المنفق و المصلح الموفق و الشاعر الماهر و كان في كل مرة يذكر من إنتاج شيخه في المجال المعني ما يعضد به حجته.. و في مجال الشعر تذكر أن رفيقه يشترك مع شيخه في العديد من هذه الخصال و منها الشعر وخاصة منه المديح النبوي و هنا أنشد بتطريب إحدى أشهر مديحيات شيخه و هي التي يقول في مطلعها :
شمرْ لخدمة من خُلقت لخدمتهْ
فبحقه شمِّرْ عليك وعزّتهْ
إلى أن وصل منها قول الشيخ التراد:
كـم ضَيْغَمٍ من صَحْبِهِ مستشـهدٍ
حامي الوَغَى ثَبْتِ الجَنَانِ كحمْزَتِهْ
كـم فَائِقٍ من بينهم في نَــصْـرِهِ
يَفْدي النبيَّ بـمالهِ وبـمهجتِهْ
كَعَلِيِّهِ صِدِّيقِهِ فاروقِهِ
عثمانِه وزبيرِه وكطلحَتِهْ!
عندئذ فقط اعتدل جالسا و أطلق أنة تفيد كامل الاعجاب و قال بالحسانية :" هو بعد شاعر "!
أما القصيدة فهذا نصها :
شَمِّرْ لـخدمةِ من خُلِقْتَ لـخدْمَتِهْ
فبحَـقِّهِ شَمِّرْ عليك وعِزَّتِهْ
ولْتجعلنْهُ رَبْعَ عَزَّةَ فاعْـقِلنْ
ولتبْكِيَنَّ بُكَا كثير عزتِهْ
واطلبْ بِعَبْرَتِكَ الشِّفاءَ فإنمَا
يشْفِي الفتَى داءَ الغرامِ بِعَبْرَتِهْ
وأَزِلْ بِحَزْمِكَ كلَّ داءٍ عِلَّة
ذو الدَّاءِ يرغب في إزالة عِلَّتِهْ
واطلبْ بِهِمَّتِكَ العَلِيَّةِ رتبةً
عَلْيَا فكم سادَ الذَّكِيُّ بـهمَّتهْ
ولتستقمْ كمْ شوهِدَتْ من عبْرَةٍ
وكَمْ استقام أخُو الشُّهُودِ بِـعبْرَتِـهْ
واكْسُ الفؤادَ من التَّذَكُّرِ حُلةً
واخلعْ ثيابَ عَمَاهُ عنه وغفلتِهْ
ولْتتخِذْ حَبْراً خليلاً عارفاً
فهو الذي تُنْمَى إليه بِخُلَّتِهْ
واجعلْ إلى المولَى اشتياقَكَ لا تَكُنْ
مثل المشوقِ بـهِنْدِهِ وأُمَيْمَتِهْ
ما سَادَ باكي مقلةٍ هَطَّالةٍ
هَاجَ الغزالُ لـه الغرامَ بِمُقْلَتِهْ
صبًّا مشوقًا بالحِسَانِ مُتَيَّمًا
سكرانَ من عودٍ براحةِ قـَيْـنَـتِـهْ
بلْ إنَّما حَازَ السِّيادةَ من غَـدَا
هَيَمَانُهُ في الله طالبَ وَصْلَتِهْ
وادْرَأْ بغُرَّةِ طه في نَحْرِ البَلاَ
فكم انْجَلَى ليلُ البَلاَءِ بغُرَّتِهْ
ولْتَتَّبِعْ آثارَ سنةِ أحمدٍ
فالخيرُ أجمعُ في النبيِّ وسُنَّتِهْ
وهو الوسيلةُ لُذْ به واسْتَشْفِعَنْ
كم مكرمٍ بـملاذه وَوَسِيلَتِهْ
أكرمْ بِهِ وبأمةٍ مرحومةٍ
تُـنْمَى لـه أكْرِمْ به وبأُمَّتِهْ
كـم مُقْـتَـفٍ آثـارَه من عالـمٍ
علاَّمَةٍ مُـتَـفَـنِّـنٍ فـي شِرْعَتـِهْ
أو عارفٍ قد أشرقتْ أنوَارُهُ
يَسْقِي القلوبَ بوعظِه وبحكمتِهْ
كـم ضَيْغَمٍ من صَحْبِهِ مستشـهدٍ
حامي الوَغَى ثَبْتِ الجَنَانِ كحمْزَتِهْ
كـم فَائِقٍ من بينهم في نَــصْـرِهِ
يَفْدي النبيَّ بـمالهِ وبـمهجتِهْ
كَعَلِيِّهِ صِدِّيقِهِ فاروقِهِ
عثمانِه وزبيرِه وكطلحَتِهْ
كـم من فتًى أَلِفَ الصَّبَابَةَ قـاطعاً
تـهجيرُه البيدا بِنَصِّ شملتِهْ
شوقاً بخير العالمين محمدٍ
حطَّ الرِّحالَ بقبره وبِمَكَّتِهْ
أزكى الصلاةِ مع السلامِ عليه ما
شادٍ شَدَا مُتَرَنِّمًا في أَيْكَتِهْ
وعلى الصحابة كلِّهم من هاجروا
وتَحَزَّبُوا في نصره ومحبتهْ
رحم الله السلف وبارك في الخلَف .
Commentaires
Enregistrer un commentaire