الذكرى العشرون لرحيل د. جمال بن الحسن رحمه الله ..
الذكرى العشرون لرحيل د. جمال بن الحسن رحمه الله ..
عندما تلقيت الدعوة من القائمين على "منشورات خديجة بنت عبد الحيْ " تغمدها الله برحمته الواسعة، تذكرتُ أنني اشتركت مع الفقيد جمال قبيل الانقلاب العسكري في يوليو 1978 في وضع أسئلة لمقابلة مع العلامة الجليل ابَّ ولد انَّ رحمه الله لصالح جريدة الشعب التي ظل يربطني بها عقد عمل طوال دراستي الجامعية ، و قررتُ أن أغدوَ مبكرا لأفتش في أرشيف الجريدة علني أعثر على تلك المقابلة لأتخذ منها موضوعا كيفما اتفق ، للمشاركة في الندوة ..كنا آنذاك في عطلة السنة الدراسية الجامعية 1978 و كلانا متجاوز من السنة الجامعية الثانية إلى الثالثة .. أنا في الرباط حيث أدرس الصحافة في المعهدْ العالي للصحافة و هو في تونس حيث يتابع دراسات الأستاذية ( متريز) في اللغة والآداب العربية في دار المعلمين العليا.كان موضوع تلك المقابلة يرتكز حول القضايا المعاصرة في الفكر الاسلامي وقد أُعجب الأستاذ بتلك الأسئلة إلى حد كبير .. سرت ضحى هذا اليوم إلى مصلحة أرشيف جريدة الشعب فاستنشقتُ مع غبارها الكثيف عبير التاريخ المجيد .. عادت بي الذاكرة إلى ذلك اليوم من شهر يوليو 1975 بعد أسبوع فقط من تحويل النشرة الاخبارية الرسمية الدورية إلى جريدة يومية .. في ذلك اليوم غادرتُ قاعات الإمتحانات في ثانوية البنات حيث انتهيت للتو من مسابقة الاعدادية باللغتين الفرنسية و المزدوجة لأكتتبَ وثائقيا في مصلحة الارشيف في الصحيفة الناشئة ..تذكرت كذلك ذلك اليوم الذي دخل الينا فيه السفير محمد عبد الله بن الحسن رحمه الله يبحث عن نسخة من الجريدة التي نشرت فيها قصيدة ابنه جمال بمناسبة ذِكرَى الاستقلال الوطني سنة 1975.سمعته يقول : رأيناه منكبّاً على أوراقه ففهمنا أنه ينتج شعرا علمنا في ما بعد أنه قصيدة في ذِكرَى الاستقلال الوطني .كان مصدر اهتمام الوالد بقصيدة الابن أنه انقطع عن الدراسة النظامية والانتاج فترة طويلة نسبيا نظرا لظروف صحية و أن تلك القصيدة كانت مؤذنة باستئنافه لنشاطاته الثقافية الاعتيادية.
كبحتُ جماح الذكريات و باشرت بمساعدة الموثقة ذات الاستعداد الطيب بحثنا الحثيث عن العدد المنشورة فيه المقابلة المنشودة على ضوء تأكيداتي المدعومة بالصورة المرفقة ، بأنها نشرتْ قبيل الانقلاب العسكري لأن القاضيَ ابَّ ولد انَّ كان آنذاك في القضاء و أصبح وزيرا للشؤون الاسلامية في أول حكومة يشكلها الحكم العسكري الجديد.وبعد جُهْدٍ جهيد تأكد غياب الأعداد السابقة عن الانقلاب من شهر يوليو و وجود الأعداد اللاحقة به اعتبارا من تاريخ 13 يوليو 1978. هنالك طفقتُ تلقائيا أتصفح الأعداد تباعا تشدني إليها صور القادة العسكريين الجدد ونشاطاتهم المختلفة و فجأة وقعتُ في العدد الصادر بتاريخ 19 يوليو على الحلقة الأولى من مقابلة كنت أجريتها شخصيا مع الفقيد جمال وامَّحت من ذاكرتي تماما .. و فوجئتُ كثيرا عندما تبينتُ أنها نُشرت على ثلاث حلقات في ثلاثة أعداد متتالية تتفاوت بين الصفحة و الصفحة وزيادة .
عندئذ غمرتني نشوة الفرح وخاصة بعد ما تدرجت مع الاسئلة و الأجوبة فإذا بالمضمون على قدر عال من سمو الأفكار و رصانة اللغة .عندئذ أبلغت المسؤولين السامين في الجريدة بالاكتشاف الجديد و سرعان ما قاسموني أهميته و الفرحة به بل إنهم قرروا إعادة نشرِ المقابلة كاملة اعتبارا من يوم الاربعاء المقبل إن شاء الله تعميما للفائدة.
أما أنا فقد اقتصرت على انتقاء بعض العناوين الفرعية البارزة من كلام الفقيد و أدمجتها في ما أسميتُه تجوُّزا مشاركة في الندوة.
و هذه العناوين هي:
- الأدباءُ الموريتانيون هم طليعة الشعب، يجب أن يَعُوا ظروفَهُ ، ويتعاملوا معها قبل أيِّ تفكير في تغييرِها؛
- الحتميةُ العلميةُ في الفيزياء.. مبدأٌ مشكوكٌ فيه ، فلنتواضعْ ما دمنا نتكلم عن الإنسان؛
- "يومياتُ أسير خلف الجبهات " : من أروع شعرنا الحديث وأخلقِه بالبقاء (وهي لأستاذنا الخليل النحوي دوَّن فيها أهم الأحداث الواقعة في حرب رمضان1973)؛؛
- نحن لم نعد نعيش عصر المجموعات الضيقة.. إنما نعيش عصرَ تفاعل الحضارات وتبادلِ المنافعْ ؛
- الشعراءُ الذين أتوْا بعد امحمد بن الطلبه هم موريتانيون درسوا التراثَ العربيَّ، وأطلعوا على مكوناته وتصرفوا فيها تصرف المالك في ملكه؛
- الأدب الموريتاني ليس جاهليا ولا أندلسيا ولا أدبا مستقلا.. إنما هو تجربة خاصة ومتميِّزةٌ ؛
- الشعرُ العموديُّ لا يزال يحتفظ بطاقاتٍ إبداعيةٍ لا تُعَدُّ.. وهو يمثل عنصرَ وفاء من الأمة العربية لتراثها المجيد؛
- الشعر الحر هو شعر موزون التفعيلة مقفًّى وإن لم يكن مُوَحَّدَ التفعيلةِ.
- الشعر الحرُّ تجربةٌ فنيةٌ فرضت نفسها على الساحة العربية واستوعبت تجاربَ فنيةً رائدة تستحق الإجلال والإكبار؛
- التطرُّفُ في رفض المقاييس الموروثةِ : من أهمِّ أخطاءِ الشعر الحر؛
- إننا بحاجةٍ إلى أدباء مثقفين.. والأديب مدعوٌّ إلى دراسة الإتجاهات والأساليب والمقاييس الأدبية المطروحة على بساط العصر؛
- لندرسْ تراثنا دراسة علمية، وننشرْ أدبنا الحديث نشراً منهجيا بعيدا عن الإرتجال والصبيانية؛
- نحن لا نزال نعامل أدبنا من الخارج.. وأنا أدعوا إلى التعامل معه من الداخل؛
- صعفُ منهج البحث ، وغيابُ أبسط المفاهيم النقدية، من أهم نقاط الضعف في الأدب الموريتاني؛
- أومن بأنه قد يوجد شاعرٌ عصاميٌّ ولكنَّ الباحث العصاميَّ مستحيلُ الوجودْ؛
- تراثنا يحمل من عناصر القوة والطرافة ما يجعله - لو نشر - فتحا في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية؛
- التجاربُ التي قيم بها في نشر الأدب الموريتاني داخل البلاد وخارجها ، تجاربُ مفيدة، ولكنَّ فيها للنقد مكاناً؛
- السببُ في أخطائنا المنهجيةِ هو أننا نأخذ الأشياء من نهايتها بدلَ أخذها من أصولها؛
- أنا مع الالتزام وضد الإلزام.. وبين البنيتين الصرفيتيْن فرقْ؛
- الأدب في نظري هو كلُّ نص جميل يعبِّرُ تعبيرا صادقا عن أحدِ الأبعاد المختلفة للإنسان؛
- أنا ضدَّ كلِّ دعوةٍ تحدد للأديب مُسْبَقاً ميادينَ اهتمامِهِ.. فالأديب والحرية صنوان.
رحم الله السلف وبارك في الخلَف .
Commentaires
Enregistrer un commentaire