وفاء بالعهد ..في ضيافة حضرة أشياخنا آل الشيخ سيديا في بوتلميتْ
وفاء بالعهد ..في ضيافة حضرة أشياخنا آل الشيخ سيديا في بوتلميتْ ..
التاريخ : الأحد 7 يناير 2024م
بدعوة كريمة من أشياخِنا آلِ الشيخ سيديَّ، حضرتُ يوم أمسِ ( السبت 6 يناير 2024م) مراسيم افتتاح الندوة العلمية المنظمة بمناسبة مرور قرن على وفاة العلامة بابَ بن الشيخ سيديَّ وسعدتُ بمقيل طيّب في ضيافة عبد الله بن سليمان بن الشيخ سيديّ . وبهذه المناسبة السعيدة أعيد نشر مقتطفاتٍ من تدوينات سابقة ..
المقتطف الأول حول إخبار والد بن خالُنا (ت 1212هجرية) بالشيخ سيديّ الكبير
لقيت زوال يوم الجمعة فاتح ابريل 2022 م موافق 29 شعبان 1443هجرية في مسجد الامام مالك في حي أفْ نور بمقاطعة تفرغ زينه مباشرةً بعد الصلاة أحدَ رواد المسجد هو الأستاذُ الفاضلُ العدل الرِّضى أحمدْ بن محمدْ بن سيديا بن سيديا بن الطالب بن المختار بن الهيبه فأخبرني ونحن على عتبة الباب الشرقي من المسجد بالقصة التالية: قال إنه روى مباشرة عن أحمد بن مولود بن داداه ( وهو الأخ الأصغرْ للمؤرخ المشهور محمد بن مولود بن دادَّاهْ) عن والده مولود بن دادّاه عن والده داداه عن والده حرمه بن محمد مختار الانتشائي أنه رافق مرةً منيه بن ألفغ عبيد (ومنِّيه آنذاك شيخ مسنٌّ ) ذهبا مغرّبين خارج الحيّ يرقبون غروب الشمس ،فلما ابتعدا نسبيا عن المخيم سأله منيه قائلا : هل لا زلت ترى خيام الحيِّ ؟ فأجابه بالإيجاب .. فقال : أما أنا فلا ، وأردف قائلا : " سبحان الله ! "المرء بعد تمامه يحري (1) .. كنت أيام زمان حادَّ البصر أرى ما لا تدركه الأبصارُ من أمثالي ، و مُرهفَ السمع أسمع ما لا يطرق مسامع الآخرين ، و إذا عدوت مسرعاً أنطلق كالبرق الخاطفِ فلا يدركني طالبٌ و ما عدوتُ مسرعا في إثر سابق قطُّ إلاَّ أدركته مهما بلغت سرعته .. ثم استطرد قائلا :" أخبرني شيخي وليُّ الله والدْ بن خالُنا الديماني (ت 1212 هجرية ) أن أمر الزوايا عامة و الأبييريين خاصة سيصلح على يد طالب تغيّب من عشيركمْ في طلب العلم "! قال منيه :وكان قد تغيب آنذاك في طلب العلم اثنان من الجماعة أحدهما هو ابن أختي سيديا بن المختار بن الهيبه و الثاني هو ابنُ أخي سيد المختار بن سيديا بن ألفغ عبيد ،وختم بقوله وأنا أتمنى في نفسي أن تكون تلك البشارة من نصيب ابن أختي سيديَّ دون ابنِ أخي محمدْ "..
قلت: وقد روى هذه البشارة كذلك العلامة هارون بن الشيخ سيديَّ في" الجزء الأول من كتاب" الأخبار" الطبعة الأولى - الصفحة 73 – 74 فقال:" إن محمذن الملقب منِّيه بن الفغ عُبَيْد (و هو خال الشيخ سيديَّ الكبير ) وقد رأس أولاد أبييري في مرحلة معيَّنة من التاريخ ، قد انكسر بعد قيادته لإحدى الحروب القبلية فذهب إلى محمدْ والد بن خالُنا الديماني و صحبهُ وتاب إلى الله تعلى معه توبة نصوحاً وصار يبكي من خشية الله. ". وقال إن منِّيه هذا قال إنَّ شيخه محمد والدْ قال له مرةً : " إن أمر الزوايا عامةً، وأمر أولاد أبييري خاصة، سيصلحُ على يد واحد من قومكم المتغيبين في طلب العلم". قال: وكان من بين المتغيبين منهم آنذاك لطلب العلم ابن أخته الشيخ سيديَّ وابن أخيه سيدي المختار. فكان منِّيهْ يتطلع دوما إلى خبر الشيخ سيديَّ (ابن أخته) أكثر من تطلعه إلى خبر سيد المختار (ابن أخيه) ويقول: "إنه هو يرجو ذلك لابن أخته الشيخ سيديَّ دون ابن أخيه سيد المختار بن سيديا".
قلت: وتشاء الأقدار أن تتحقق لاحقا بشارة الشيخ محمد والد بن خالُنا لمريده منّيه بن ألفغ عبيد وذلك بعودة الطالب الأبييريّ الشيخ سيديّ الكبير إلى أهله وذويه في نهاية سنة 1242هـ أو بداية سنة 1243هـ كما ذكر حفيده المؤرخ المدقق هارون بن الشيخ سيديّ باب أي بعد ثلاثين (30) سنة كاملة من وفاة صاحب البشارة العلامة محمدْ والد بن خالُنا وعمر الشيخ سيديَّ آنذاك حوالي 52 سنة!
وبالمقارنة بين ميلاد الشيخ سيديّ الكبير سنة 1190هجرية ووفاة العلامة محمد والد بن خالُنا سنة 1212 هجرية نتبيّن أن تلك البشارة حصلت ولمَّا يبلغ الشيخ سيديّ آنذاك 22 سنة من العمر ..
ونحن نرجح أنْ تكون بشارة محمدْ والد لِمريدهِ منّيه قد حصلتْ في عهد دراسة الشيخ سيديَّ الكبير على العلامة حرمه بن عبد الجليل (1150-1243م) ، وذلك على افتراض أن الشيخْ سيديَّ المولود سنة 1190هـ. (قرأ القرآن على خاله سيديا بن أشفغ عبيد ثم انتقل إلى الطالب ألأمين بن الطالب المختار التيمرگيوي وأمضى معه أربعة (4) أعوام) قد حفظ القرآن وأكمل دراسة علومه وهو ابن عشر (10) سنوات على أحسن تقدير قبل أن ينتقل إلى المرحلة الموالية من دراسته المحظرية.
ومعلوم أنه انتقل بعد ذلك إلى العالم الجليل حرمه بن عبد الجليل العلوي في منطقة لعگلْ فأمضى معه ثلاث عشرة (13) سنة أتقن خلالها اللغة والنحو والصرف والبلاغة والمنطق والعقائد كما تقول المراجع المعتمدة في حياته.وبذلك يكون قد رحل بعد وفاة محمد والد في 1212هجرية إلى محظرة حبيب الله بن القاضي وقد تجاوز عمره آنذاك 23 سنة على التقدير آنف الذكر (10+13=23).
المقتطف الثاني : شذراتٌ من مقال بعنوان " نزهة الراني في ترجمة الشيخ سيديَّ الثاني" ( 1870 - 11 يناير 1924 ميلادية ). بقلم حفيده المحدث محمد بن أبي مدين الديماني رحمه الله تعلى..
اقتصرت من هذه النبذة المفيدة المقتضبة على المحاور الثلاثة التالية : دراسته و منهجه الإصلاحي في العقيدة والفقه والتصوّف و موقفه من الاستعمار .
أولا: دراسته
حدثني الأستاذ محمذن بن باگَّا حفظه الله راويا عن والده العلامة باگَّا أنه كان مرة يخوض مع صديقه العلامة محمد عالي بن عدّود في موضوع غزارة علم الشيخ سيديّ باب فسأله باگَّا مستغربا كيف حصل له كل ذلك في معمعان مسؤولياته الاجتماعية والسياسية الجسيمة المتزاحمة المبكرة معبراً عنه بقوله بالحسانية :" بابَ گاعْ أينتَ أگرَ ؟ فأجابه محمد عال بداهةً : بابَ گاعْ أينتَ غبْ ؟!
مشيرا بذلك إلى أنه كان ينهل بنهم من مَعين مدرسة الحياة في الحضرة العظيمة التي تحتضنه .
ولعل في مقال الحفيد المؤلف مصداقا لذلك الجواب حيث يقول :
[حفظ ( الشيخ سيديّ بابَ ) القرآن وله دون العشر، واشتغل بالعلم على علماء تلامذة أبويه (والده الشيخ سيدي محمد الخليفه و جده الشيخ سيديّ الكبير ) ؛ فأجازوه في مدة يسيرة في جميع ما تعلم عليهم، وكان بعضهم يقول:
ُِِّّ أرسل إلينا لنعلمه فصار يعلمنا، كما أجازوه بالأوراد القادرية والاختيارات المختارية حسبما أجازهم في ذلك والداه.
فلما ناهز العشرين من عمره تاقت نفسه إلى معرفة الحق من منبعه،وترك التقليد فيه فعكف على كتاب الله تعالى وما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،واستجلب الكتب من الآفاق النائية بالأثمان الغالية، واستنسخ منها ما لم يكن مطبوعا حتى اجتمع له منها ما لم يجتمع لغيره من أهل هذه البلاد، وأقبل على مطالعتها ليلا ونهارا مع الذكاء المفرط وسرعة الحفظ المدهشة.
وكان إذا استنفد كتابا، ولو كان ذا أجزاء كثيرة كتفسير الطبري مثلا، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر، وكالأم للشافعي، وكمسند الإمام أحمد، وكالمبسوط للسرخسي الحنفي، لا يضعه مع الكتب التي كانت عنده حتى يتصفحه ورقة ورقة، ويتعقَّله كلمة كلمة، وإصلاحاته الأخطاء الغامضة، وتوقيفاته على فوائدها المتفرقة، وفي أفرادها في كل فن شاهدة باستقصائه نظر كلها.
فقد رأيته كتب على هامش جزء التفسير من "فتح الباري"؛ حيث عزا الحافظ ابن حجر تخريج حديٍث لمسلم ما نصه: [ليس هذا الحديث في نسخة صحيح مسلم التي بأيدينا] اه. كما كتب على هامش "تفسير الجلالين" في الكلام على قوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني}؛ حيث عزا الجلال تفسيرها بالفاتحة إلى تخريج الشيخين مثل ذلك، يعني أن ذلك ليس في نسخته من صحيح مسلم اه. وكما كتب أن مسألة القبض لا توجد أصلا في نسخة الأم للشافعي التي عنده، مع عزو الأجلاء من أئمة الشافعية مسألة القبض للأم. وأخبرنا رحمه الله تعالى أنه لما كان يكتب رسالته في القبض الآتي ذكرها أحب أن يكتب كلام الشافعي نفسه في المسألة، ورأى عزو الشافعية المسألة للأم، فراجع مظانّ القبض من الأم، فلما لم يجده في تلك المظان، نظرها ِمن أولها إلى آخرها حتى تحقق أن القبض ليس في نسخته منها ، فلذلك كتب ما كتب اه.ومن طالع ُكتبه وجد في هوامشها بخطه من هذا النوع ما لا يُحصى].
ثانيا : منهجه الاصلاحي في العقيدة و الفقه والتصوّف
يقول الكاتب :ولما كان أهل هذا القطر الموريتاني :
- في المعتقدات على مذهب أبي الحسن الأشعري الأوسط وهو التأويل؛
- وفي الفروع على رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة؛
- وفي التصوف على طريق أبي القاسم الجنيد بن محمد.
ويرون أن الحق منحصر في هذا وهذا وهذا، بيّن الشيخ رحمه الله تعالى الموقف الأولى بالنسبة له في كل من هذه المسائل الثلاث .
أ- في العقيدة ..
في هذا المجال يظهر من كلام المؤلف أن الشيخ سيديّ بابَ كان مع جمهور العلماء الأشاعرة من الموريتانيين وغيرهم الذين اختاروا عدم الخوض في علم الكلام والتعامل مع آيات الصفات باعتماد مذهب السلف المتمثل في التفويض والتنزيه بدل مذهب الخلَف القائل بالتأويل. وهما قولان مشهوران لدى الأشاعرة في إثبات الصفات، وهما التفويض مع التنزيه أو التأويل، وهي عندهم مسألة اجتهادية. وهنالك من الأشاعرة من كان يختار التأويل ثم رجّح التفويض مع التنزيه، ومن أهمهم أبو المعالي الجويني كما أورد تاج الدين السبكي في بعض المراجع .
يقول المؤلف :
[أن الأَولَى في المسألة الأُولى مذهب أهل القرون الثلاثة الفاضلة، وهو الانكفاف عن التأويل وإمرار الظواهر كما جاءت من غير تعطيل ولا تشبيه ولا تكييف، وتفويض معانيها إلى الله تعالى].
وفي هذا السياق أورد المؤلف نظم الشيخ سيدي باب المشهور :
ما أوهمَ التشبيهَ في آياتِ
وفي أحاديثَ عن الثقاتِ
فهو صفات ُوصف الرحمن
بها وواجب بها الإيمان
ثم على ظاهرها نُبقيها
ونحذر التأويل والتشبيها
قال بذا الثلاثة القرون
والخير ِباتباعهم مقرون
وهو الذي ينصره القرآنُ
والسنن الصحاح والحسان
وكم رآه من إماٍم مرتَضى
من الخلائف بناظر الرِّضى
ومن أجاز منهم التاويلا
لمُ ينِْكروا ذا المذهب الأصيلا
والحقّ أن من أصاب واحد
لاسيما إن كان في العقائد
ووافق النص وإجماع السلفْ
فكيف لا َيْتَبُع هذا من عرف
ومن تأول لقد تكلّفا
وغيرَ ما ليس به علم قفا
وفي الذي هرب منه قد وقعْ
وبعضهم عن قوله به رجع
حتى حكى بمنعه الإجماعا
وجعل اجتناَبه اتباعا
وقد نماه بعُض أهل العلِم
من الأكابر لحزب َجهِم
فاشدد يديك أيُّها المحقُّ
على الذي سمعتَ فهو الحقّ
قلتُ: وقال العلامة محمد فال (اپَّاهْ) بن بابَ العلوي فيي ذلك:
مافي كتابِ الله من مُشتَبِهِ
على مُرادِ اللهِ نُؤمِنُ بِه
وما يكونُ في كلامِ الهادِي
على مرادِ أفضلِ العبادِ
ولم يكُلّف ربُنا عبادَه
في مثل ذا أن يعَرفوا مُرادَه
وفي ذات المعنى يقول أيضا العلامة محمد يحيى بن الشيخ الحسين الجكني رحمه الله:
آمِنْ هُديتَ وسلِّم ما أتاك به
خيرُ البريّة عن ربِّ البريّاتِ
قِفْ عند حدِّك لا تطلبْ لنفسك ما
لم يُعطَهُ أحدٌ من سائر النّات
الله عزّ وجلّ في الكتاب نفى
إدراكَنا علمَ كُنهِ الوصفِ والذّات
كما نفى الله جلّ أن يشابهَه
شيءٌ فنخرج عن حَيْزِ الجهالات
وقد نهى أن نخوضَ ما تشابه من
ما جاءنا من أحاديثٍ وآيات
والصّحبُ معْ تابعيهم ثم تابعَهمْ
قد فوّضوا أطلقوا سدّ المغارات
على ابن عباسٍ الحَبْرِ الملا وقفوا
في الله لا تنظروا بل في الصّناعات
نُمِرُّ ما جاء من آيٍ ومن خبرٍ
فيه اشتباهُ صحيحٍ في الروايات
لسنا نشبِّه لا ولا نعطِّلُ بل
ننزِّهُ اللهَ عن دركِ الكمالات
وهذه العروةُ الوُثقى فمن أخذتْ
بها يداه نجا من الـمُضِلاّت
ولست أنكر تأويلاً بمتجهٍ
من المجاز وتخييل استعارات
وقد قفاه هُداةٌ من أئمتنا
ذادوا عن السّعي في طرق الخيالات
لكنه ربما أفضى بصاحبه
إلى انقطاعٍ به وسط العميقات
خيرُ الكلام الذي جلّت إفادته
وقَلَّ ألفاظُه سهلُ العبارات
لله ربِّيَ فردٌ لا شبيهَ له
قلْ واستقمْ ووصاة المصطفى تاتي
عليه أزكى صلاةٍ ما بدا قمرٌ
وما اهتدى من مشى وسط الجماعات
الدين إيماننا بالوحي أجمعه
وجهلنا الكيفَ من أصل الديانات
وفي السياق ذاته تقول العالمة الجكنية المحققة مريم بنت حينْ في نظمها المشهور المسمّى "مناهج العلماء في المتشابه":
وَمَا يُقَالُ مِنْ خِلَافِ السَّلَفِ
وَخَلَفٍ فِيهِ بَيَانُهُ يَفِي
فَذَاكَ فِي الَّذِي لَهُ الْمَحَامِلُ
تَعَدَّدَتْ فَخَلَفٌ يُؤَوِّلُ
بِلَائِقٍ واعْتَقَدُوا التَّنْزِيهَا
لِلَّهِ عَمَّا يَقْتَضـِي تَشْبِيهَا
بِخَلْقِهِ وَسَلَفٌ قَدْ فَوَّضُوا
مَعْنَاهُ مَعْ تَنْزِيهِهِ وَأَعْرَضُوا
عَنْ ظَاهِرِ الَّلفْظِ وَأَمَّا مَا اتَّحَدْ
مَحْمَلُهُ فَحَمْلُهُ لَيْسَ يُرَدْ
كَقَوْلِهِ جَلَّ وَهُوَ مَعَكُمْ
فَهْوَ بِعِلْمِهِ لَدَى مَنْ قَبْلَكُمْ
إلى أن تنهي ذلك النظم البديع بقولها :
فَاسْلُكْ سَبِيلَ السَّلِفِ الْمَحْمُودِ
أَوْ كُنْ إِلَى الْخَلَفِ ذَا صُدُودِ
كِلَاهُمَا سَلاَمَة ٌ لِمَنْ سَلَكْ
وَمَنْ أَبَى وَحَادَ عَنْهُمَا هَلَكْ
نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الضَّلَالِ
وَالزَّيْغِ وَالْخذْلَانِ وَالْإِضْلَالِ
وإلى منهجي الأشاعرة هذين أشار المقري بقوله:
والنص إن أوهم غير اللائق
بالله كالتشبيه للخلائق
فاصرفه عن ظاهره إجماعا
واقطع عن الممتنع الأطماعا
وما له من ذاك تأويل فقط
تعين الحمل عليه وانضبط
كمثل "وهو معكم" فأول
بالعلم والرعي ولا تطول
إذ لا تصح هاهنا المصاحبه
بالذات فاعرف أوجه المناسبه
وما له محاملُ الرأيُ اختَلَف
فيه وبالتفويض قد قال السلف
من بعد تنزيه وهذا أسلم
والله بالمراد منه أعلم
وقال فيها اللقاني :
وكل نص أوهم التشبيها
أوله أو فوض ورم تنزيها
هذا ويقول المؤلف الحفيد في مكان آخر ، وسئل عن شهادة أهل معية الذات من أجل حكم من قاض أدى إلى ذلك، فأجاب بما لفظه: [قول الله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم}، وقوله: {إلاَّ هو معهم}، أجمع السلف من أهل السنة والخلف على أن المراد: بعلمه.والجهمية وبعض المعتزلة هم القائلون: بذاته، مما ينظر لذلك: "تفسير ابن عطية"، و"تفسير الفخر"، و"تفسير أبي حيان"، و"تفسير الثعالبي"، وكتاب الذهبي، وبعض كتب السنوسي، وكتاب "الملل والنحل" للشهرستاني، وكتاب "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر، و"فتح الباري"، وغير ذلك] اه كلامه بلفظه.ثم ألف في هذه المسألة رسالة مستقلة نشر فيها ما طوى في هذا الجواب].
قلتُ : ويحضرني في هذا المجال قول المختار بن حامدن - اتّاه علما :
أصاب في المعية اثنان فقطْ
مفوّضٌ كفَّ فما يقول " لطْ "
ومتأولٌ يقول معكُمْ
أيْ عالمٌ بكم وبعد ذاك " كمْ "!
د - في الفقه
وفي مجال الفقه ذكر المؤلف أن الشيخ سيديّ باب كان يتبنى القول القاضي بأن " تقليد غير المعصوم في كل ما قال من غير التفات إلى الدليل ولا إلى أقوال غيره من العلماء خطأ وخطر" وأن منهجه أن ينظر إلى أقوال الأئمة نظر منصف فإن اتفقوا على مسألة وبان له دليلهم فيها أو لم يِبن له دليل على خلافهم فذلك هو الضالة المنشودة و في حالة الخلاف " لم يكن يقِِّدم على قول مالك إلا الدليل أو خلاف الثلاثة له "..
يقول المؤلف :
[وكان احترامه للأئمة ولمذاهبهم على حد سواء من غير تعصب لإمام معين أو مذهب معين أو زهد فيه. ُيثني على الأئمة ويشكر لهم سعيهم ويترحم عليهم وينظر في أقوالهم نظر منصف فإن اتفقوا على مسألة وبان له دليلهم فيها أو لم يِبن له دليل على خلافهم فذلك هو الضالة المنشودة عنده ، وإن اختلفوا نظر إلى من معه الدليل فأخذ بقوله سواء كان واحدا أو اثنين. وإن لم يتبين له الدليل ورجعت المسألة إلى الرأي البحت والاجتهاد المحض ، نظر فإن اتفق ثلاثة من الأئمة الأربعة على قول فيها وخالف الرابع أخذ بقول الثلاثة وجعلهم بمنزلة الدليل، وإن صار اثنان منهم إلى قول واثنان إلى قول ولم يترجح عنده أحد القولين بمرجح ما ، ذهب إلى قول مالك ومن معه فلم يكن يقِِّدم على قول مالك إلا الدليل أو خلاف الثلاثة له اه. وكان يذهب إلى قول من قال من العلماء بتيسُّر الاجتهاد ويقول فلان وفلان وفلان من أهل عصره مجتهدون لمعرفتهم ما يتوقف عليه الإجتهاد ، لكن التوفيق شيء آخر ويميل إلى قول الحنابلة ومن وافقهم من الشافعية إنه لا ينقطع ويصوب قول الجمهور إنه يتجزأ اه
ج- في التصوف ..
وفي مجال التصوف يذكر الشيخ سيدي بابَ بإقرار أئمة التصوّف ببراءتهم من كل ما ينسب إليهم إذا خرج عن اتباع الشرع فيقول :
[ ثم بين في المسألة الثالثة أن الطرق إلى الله تعالى مسدودة إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن أئمة الصوفية صرحوا بالبراءة من كل ما ينسب إليهم إذا خرج عن اتباع الشرع، وكان يقول إن التصوف شيء واحد وهو الإخلاص في العمل وفي ذلك يقول:
حقيقة الصو ِفي عند القوم
أهل الصفاِء من دواعي اللوم
العالم العامل في إخلاصِ
لا غير يا مبتغيَ الخلاص
قلت: ويذكرني هذا قول المختار بن حامدن كذلك:
لا بُدَّ من طريقة التصوُّفِ
لأنها من واجب المكلّفِ
لكنَّ من واجبه الحقيقي
إماطة الأذى عن الطريق!
ويواصل المحدث محمد بن أبي مدين حديثه عن جده الشيخ سيديّ بابَ فيروي عنه قوله :[ليست الكرامات الخوارق، بل إنما هي الاستقامة على السنة، ويقول: إن الشريعة قد كُملت بنص القرآن العزيز؛ فالواجب الانتهاء إليها والدوران معها، والعمل بمقتضاها].
ويقول المؤلف في موضع آخر من المكتوب :
[ثم إنه تتبع كتب الحديث جوامعَ ومسانيدَ ومعاجمَ فجمع منها ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعله ورداً يتعبد به ويلقنه من عقل من عياله، ومن طلب منه الورد من المسلمين].
ثالثا : موقفه من الاستعمار ..
وبخصوص الموقف الذي أدّى إليه اجهاده الفقهي من الاستعمار يقول الكاتب :
[ولما رأى ما وقع من الحروب بين أهل موريتانيا ، عربا وزوايا ، وشاهد شدة ضررها وتطاير شررها، ورأى قول الإمامين مالك بن أنس والليث بن سعد: [سلطان جائر سبعين سنة خير من أمة سائبة ساعة من نهار] ، وعلم أن الشريعة دائرة مع المصالح حيثما دارت، وعلم من كلام المفسرين أن التولية والموادةَ للمخالف في الدين المنهيّ عنهما شرعا إنما هما في الدين، ورأى أن الشروط المعتبرة في الوالي شرعا إنما هي في حال الاختيار لا في حال الاضطرار، وأن المتغلب أيا كان تجب طاعته شرعا، ودرس أحوال أمم الإفرنج مع أهل إفريقية الغربية الذين مورتانيا همزة وصل بينهم، وطالع المؤلفات المتعرضة لذلك كالجزء الأخير من "تاريخ الاستقصاء لأخبار المغرب الأقصى" لأحمد بن خالد بن ناصر السلاوي، وبحث عن أحوال العالم إذ ذاك مع ُمتج ِِّوليه، إلى غير ذلك مما أفرد له ولأدلته رسالة مستقلة، عقد صلحا مع دولة فرنسا التي تملك إذ ذاك جميع إفريقية الغربية إلا مورتانيا، وتملك أيضا قُْطَرْي تونس والجزائر، وعلم أنها تبذل جميع قواها في حمايتها المغرب الأقصى كما وقع ذلك بعُد عن قُرب، وبين من أصغى إلى إرشاداته من أهل مورتانيا، وراجع من لم ير ذلك منهم ابتداًء صوابا بصائَره؛ فرجع إلى الصواب أخيرا؛ فهدأت الأحوال بحسم مواد القتال، وحفظ الأموال وبكثرة وسائل النقل للكتب العلمية والبضائع الغالية من الأقطار النائية، وبتيسر الحج إلى بيت الله الحرام بعد أن كان في قطرنا هذا كالمتعذر لعظم المشقة و ُبعد الشقة ، فليس يعلم إلا الله تعالى ما ترتب على ذلك الصلح من المصالح التي لا تحصى.وصرف رحمه الله تعالى وجاهته عند تلك الدولة في مصالح المسلمين العامة والخاصة بل صرح لهم عند عقد الصلح حين سألوه عن عياله الخاص ليحترموه بأنه كل من يدين بدين الإسلام .
ولم يقبل لهم راتبا، ولم ُيعلق لهم وساما ، ولم يقبل لأحد من عياله الخاص أن يتعلم لغتهم مع شدة حرصهم على قبوله تلك الأمور، بل لما حصل مراده وهو أمن البلاد والعباد تفرغ لعبادة ربه ونشر سنة نبيه صلى الله عليه وسلم آناء الليل وأطراف النهار ].
المقتطف الثالث- في رثاء الفقيد الشيخ الخليفة موسى بن الشيخ سيديا :
جرد رويا شموسا
وارث الخليفة موسى
وواس الآشياخ فيه
بدورهم والشموسا
وأغش المجالس منهم
توقَّ شرا وبوسا
لهم مقاعد صدق
داموا عليها جلوسا
للشيخ سيدي سر
منه أداروا كؤوسا
وظاهر السر فيهم
ما إن يخاف طموسا
فكم قلوب قد أحيوا
وكم أماتوا نفوسا
مذ أعلنوها عليها
حربا سجالا ضروسا
تفوق حرب بعاث
وداحسا والبسوسا
والروح منا كسوها
من الصفاء لبوسا
أشياخنا الشم دمتم
لنا هداة رؤوسا
فكم قضيتم لدينا
مظالما ومكوسا
إني حلفت يمينا
ليست يمينا غموسا
ما إن أفي الحق منكم
ولو ملأت الطروسا
على النبي صلاة
تنسي الزمان العبوسا
المقتطف الرابع- 31 اكتوبر 2016 في عين السلامة في تعزية بمناسبة وفاة الناهَ بنت الشيخ عبد الله بن الشيخ سيديَّ :
مَنْ يُيَمّمْ في الزَّوْر" عَيْنَ السَّلامَهْ "
ما عليهِ في زَوْرها من ملامَهْ
قلْ لمن رام من مَخُوفٍ سَلامًا
إنَّ عينَ السَّلامَ " عينُ السَّلامَهْ "
فأرجِّي من زورها كلَّ خير
و أرجِّي من الشرور السَّلامَهْ
هي عينٌ ترعى السلامة فينا
هي عنوان مجدنا و العلامَه
رام وصفاً لها الخيالُ مُجِدًّا
قلتُ مهلا أيا خَيَالُ أَلاَ مَهْ
ليس يُحصي المُثْنِي عليها ثَنَاءًا
كُلَّما قد أَطالَ فيها كلامَه
يَسعد المرءُ في رُباها فمن لمْ
يأْتِها فَلْيُبلِّغَنْها سَلاَمَهْ!
المقتطف الرابع - في زيارة مقبرة تندوجه صبيحة يوم
الجمعة 13 اكتوبر 2017م صحبة الشيخ سيديَّ ولد الشيخ الحكومة:
قد بلغنا بزوْر " تِنْدَوْجَ " أَوْجَا
ما بلغنا إلى قَضَا كلِّ حَوْجَا
فسلكنا لزورها اليومَ طُرْقًا
لم تَحِدْ عن " تِنْدَوْجَ " لم تَكُ عَوْجَا
لَحظتْنا " عَيْنُ السَّلاَمَةِ " فيها
مِنْ بَنِي الشيخ مَنْ بما قد أَتَوْا جَا
و بتَمْرَزْكِيتٍ مررنا و فيها
رُبَّ مُزجَى بضاعةٍ نالَ رَوْجَا
و بِ " تِيدِمَّلِّينَ " عُجنا فنلنا
في حِمَاهَا من كلِّ ما طاب زَوْجاَ
و ظفَرنا بالأَمن من كُلِّ شرٍّ
مَا أتتْنا به عواصِفُ هَوْجَا
رُبَّ قلبٍ ميْتٍ أتاها فيَحْيَى
و نفوسٍ تَمُوتُ فَوْجًا ففَوْجَا
إذْ بها البحرُ زَاخِرُ الْيَمِّ طَامٍ
يقْذف الدرُّ منه موْجًا فموْجَا!
محمدن بن سيدي الملقب بدنَّ
رحم الله السلف و بارك في الخلف.
Commentaires
Enregistrer un commentaire