عودٌ على بدءٍ..حول رؤيا الشيخ سيديا بابَ لجبريل عليه السلام ..
عودٌ على بدءٍ..حول رؤيا الشيخ سيديا بابَ لجبريل عليه السلام ..
صادفتُ الليلة - مساء الجمعة 3 اكتوبر 2025م- على صفحات افيسْ بوكْ تدوينة تتقاذفها الأمواج في هذا البحر الهائج يعود تاريخها إلى يوم 28 سبتمبر 2023 م أي قبل حولين كاملين تتخذ من مضمونها تعليقا كنت كتبته آنذاك بصورة عابرة على تدوينة في ذات السياق لأحد المدونين هو الأستاذ Ahmedh Ahmed Salem
يتعلق الموضوع بسؤال وجوابٍ بين علَمين جليليْن
هما الشيخ سيديّ باب والعلامة عبد الودود ولد
حمِّيه رويتهما عن أخي في الله الداه بن الرباني راويا عن الإمام محمد محمود ولد أحمدْ
يوره عن العلامة عبد الودود ولد حمِّيهْ حول لُقيا الشيخ سيديَ بابه لجبريل عليه السلام.
وقد نشر التعليق آنذاك في سياق معين أدَّى إلى تأجّج الخلاف القديم المتجدد بين أنصار السلفية وأنصار الصوفية وكلاهما له رؤيته الخاصة حول الثوابت الوطنية لبلاد شنقيط المتمثلة في بيت ابن عاشر الشهير :
في عقد الأشعري وفقه مالكْ °° وفي طريقة الجنيد السالكْ !
وما من الفريقين إلاّ مقلدٌ عالماً مجتهدا
إما مصيبٌ أو مخطئٌ وفي الحالين كلا الفريقين ناجٍ والعالمان مأجوران لا مأزوران ..
وكما قلتُ من قبل :" إن المنتهِجينَ
هذا النهج الثلاثي من أمة محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم - و خاصة في بلاد شنقيط
- يُحسب لهم أنهم يحسنون الظن بجميع المسلمين ويحترمون لكل ذي رأيٍ مخالفٍ رأيه ويلتمسون
له أحسن المخارج في كل الأقوال والأفعال، ويباركون للمجتهدين من العلماء أجرهم في الاجتهاد
وللمقلدين من المسلمين جزاءهمْ في الامتثال والاجتناب، ولكنهمْ في ما يتعلق بمصادر
الشريعة الاسلامية ومقاصدها من القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة يُرجحون فهمَ
أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي على فهم غيرهما من علماء التوحيد والعقائد
الاسلامية، وفهمَ الإمام مالك بن أنس على فهم غيره من الفقهاء و فهمَ الجنيد بن محمد
على فهم غيره من أقطاب الصوفية . وهم يتمثلون في ذلك كله بقول أحد أئمة الشريعة والحقيقة
في موريتانيا هو الشيخ التراد بن العبّاس (27 رجب 1304 هجرية - 21 ابريل 1887 م /
17 محرم 1365 هجرية- 22 دجمبر 1945 م) في بعض المخالفين في الرأي والاجتهاد :إن كانوا
على باطل فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهمْ به وإن كانوا على حق فالحمد لله الذي
أغنانا بحقنا عن حقهم
"!
وفي هذا الإطار يعجبني قول الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه :" (…) يشكل الدين حقيقةً واحدة ذات مظاهر متكاملة لا انفصام لها ، تعمر حياة الإنسان وتغْمر كيانه ، قلبا وقالبا ، سلوكا ومعاييرَ وغاياتٍ ، فتقيم توازنا بين الروح والجسد وبين الظاهر والباطن .هذه التكاملية هي التي عبّر عنها حديث جبريل والذي كان بمثابة درس المراجعة لما درَسه الصحابة في نحو عقدين من التزكية النبوية" إلى أن يقول :" ومن ثم جاءت مراتب الدين الثلاث سلسلة مترابطة نسيج وحدها، لتغطيَ مناحيَ الشخصية المسلمة كلّها ، فالاسلام هو الضابط للسلوك الظاهر ، والموجه لأعمال الجوارح ، والإيمان هو المصحح للمعتقد ، الباعث على العمل ، الموجب للتسليم والانقياد ، والإحسان هو النافثُ في الأعمال روحَها ، والمزكّي للمقاصد والغايات . تتكامل هذه المراتب لتعكس حقيقة الدين الواحد كما عاشها النبيُّ صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم والتابعون من بعدهم "!
وفي ذات السياق سمعتُ شيخَنا الشيخ محمد الحسن بن الددوْ يقول : " الله جعل الإنسان مؤلَّفا من ثلاثة عناصر هي العقل الذي شرفه به على سائر الحيوانات والبدن الذي هو من تراب والروح التي هي نفخة من أمر الله . وعلى أساس هذه العناصر الثلاثة جاء الدين ثلاثة عناصر هي : الإيمان خطابُ الله للعقل والإسلام خطابه للبدن والإحسان خطابه للروح.واجتمعت العناصر الثلاثة مع عناصر الإنسان الثلاثة ، وبقدر التوازن فيها يكون الإنسان مستقيما معتدلا "
وأعود فأقول إن الزوبعة آنفة الذكر قد أظهرتْ مصداق ما قاله شيخنا العلامة محمد فال (ابّاه ) بن عبد الله حفظه الله ورعاه في توضيحه منهج الشيخ سيديَ باب من أنه " كان محلّ اتفاق بين الجميع " !.
نعم .. لقد تركز النقاش آنذاك حول هذا الموضوع
بالذات إذ كان فيه التنازع قويا بين الفريقين حول الشيخ سيديّ باب نفسه إذ كان كل طرف
"يعدّه منه ويعتزّ بذلك " أيما اعتزاز ..
وقد تدخل آنذاك شيخنا العالم العلامة المفتي
ابراهيم بن الشيخ سيديا فحسم النزاع بتدوينة نُشرت فانتشرتْ على نطاق واسع تحت
عنوان :"التعليق على التدوينة التى كُتبت عن لُقيا الشيخ سيديَ بابه - رحمه الله
تعلى - لجبريل عليه السلام".
قال الشيخ ابراهيم بن يوسف في ذلك التوضيح
بالنص :"نعمْ . ليس فى التدوينة التصريحُ بأن هذا اللقاء كان يقظة، لكنّ ظلالَها
وأجواءَها وإيحاءاتِها كالصريحة فى ذلك" ثم أورد القصة ناصعة بأسانيد مختلفة.
ومن غريبْ الصدف أنني لم أطلع آنذاك على أيّ
من تلك المنشورات لأنني كنت قد حجبتُ صفحتي عن الأنظار قُبيل ذلك وغادرتُ عالم فيس
بوك إلى غير رجعة .. ولما أطلعني بعض الأصدقاء على توضيح الشيخ ابراهيم بن يوسف كتبت
آنذاك تعليقا هممتُ بأن أنشره في بعض المواقع ثم سرعان ما عدلت عن ذلك باعتبار أن الموضوع
قد تم تجاوزه
..
ولما لاحظت الليلة أن هذا الموضوع لا زالت
تقذفه الأمواج من حين لآخر فيطفو على السطح من جديد ، ارتأيتُ أن أنشر ما كتبته آنذاك
على مدونتي الخاصة تحت الرابط التالي:
https://bedena.blogspot.com/2025/10/blog-post_18.html
لتكتمل به الصورة وخاصة لدى القراء الجدد
الذين قد يغيب عنهم السياق المكتنف له أصلا..وهذا هو النص :
الحمد للهْ والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيّ
بعده ..
أما بعد، فقد كتبتُ مرة تعليقاً عابرا على
تدوينة صادفتْ هوى في نفسي ،مررتُ بها عرضاً في هذا العالم متلاطمِ الأمواج المسمّى
"فيس بوك"، وكان من حسن حظي أن اطَّلع على هذا التعليق شيخُنا ابن شيخِنا
ابن شيخنا إلى هلمَّ جرّاً العالم العلامة المفتي ابراهيم بن يوسف بن الشيخ سيديا حفظه
الله ورعاه فكتب حوله تصويبا في غاية الأهمية تحت عنوان "التعليق على التدوينة
التى كُتبت عن لُقيا الشيخ سيديَ بابه - رحمه الله تعلى - لجبريل عليه السلام"
وعلى ضوء هذا التعليق أعود إلى الموضوع فأقول :
أولا- نص التعليق الذي كتبته على المنشور المذكور :"حدثني أخي الداه ولد الرباني ناقلا عن الإمام محمد محمود ولد الرباني أنه سأل شيخه العلامة المقرئ محمد عبد الودود ولد حمّيه عن أي الأذكار أفضل فيلتزمه فقال له محمد عبد الودود : طرحتُ السؤال ذاتَه على العلامة باب بن الشيخ سيديَّ فقال لي إنه طرح السؤال ذاته على جبريل عليه السلام فأخرج له من مكتبةٍ "حصنَ الحصين" . قال محمد عبد الودود : فسألته وهل هي مكتبتكم ؟ فأجابني الشيخ باب بقوله :" الباطنَ ماهِ مگبوظَ ابْ ليْد " !! هكذا نقلتُ بأمانة عن الراوي ..
ثانيا - ملخصُ توضيحِ شيخِنا الشيخ ابراهيم بن يوسف بن الشيخ سيديا : قال "إن رواية شيخنا محمد عبد الودود ابن حميه مشهورة عندنا" ورواها بالأسانيد التالية :
أ)- عن الشيخ إسحاق بن أبى مدين عن عبد الودود
بن حمِّيه عن الشيخ باب بن الشيخ سيديا . قال : وقد قصها الشيخ إسحاق بحضرة والدي الشيخ
يوسف بن الشيخ سيدىَ بابه فأقرّه عليها.وكان من رواية الشيخ إسحاق - وهو فى منتهى الضبط
والإتقان - أن عبد الودود سأل الجد عن جبريل فقال له: بياض كالثلج !
ب)- عن شيخنا العلامة محمد سالم ابن عبد الودود
عن عبد الودود بن حمِّيه عن الشيخ باب بن الشيخ سيديا. قال: "وقال لى محمد سالم ابن عبد الودود إن ابن
حميه سأل الوالد الجد: من أين عرفت أنه جبريل؟ فقال له: "الروح ما تِتْغَشْمَى".يعنى
أن الأشياء لا تَنْبَهِمُ عليها، لصحة إدراكها.وكان شيخنا محمد سالم يستحسن هذه العبارة
غاية الاستحسان"
!
ج)- ثم قال شيخنا الشيخ ابراهيم إن الأخ عبد
الله بن محمد بن أبى مدين اتصل بالشيخ محمد محمود بن أحمد يوره ابن الربانىّ مستفهِما
عن حقيقة ما قرأ، فأكد له أن القصة منامية، وأن لفظ "الباطنة" ليس فيها،
وأن الشيخ قال: "عالَم الأرواح".
ثالثًا-ويظهر من التوضيح الذي رواهُ الشيخ ابراهيم بأسانيدَ مختلفةٍ عن كل من حدَّث عن ابن حمَّيه من "عامة الثقات والعلماء الأجلاء والرواة الأَثبات الذين سمعوها منه" أن رواياته تختلف عن رواية أخي في الله الداه ولد الربّاني في أربع نقاط أساسية أولاهما وجودُ ظلال وأجواء وإيحاءات توحي بأن السؤال والجواب كانا يقظةً لا مناما ، والثانية زيادة في وصف جبريل عليه السلام كما ورد في رواية الشيخ اسحاق بن أبي مدين عن عبد الودود عن الشيخ سيدي باب والثالثة كيف عرف الشيخ سيدي باب جبريل عليه السلام كما روى لمرابط محمد سالم بن عدّود عن عبد الودود عن الشيخ سيديّ بابَ والرابعة وجود لفظ "الباطنة" بدلَ "عالَم الأرواح" الواردة في رواية عبد الله بن محمد بن أبي مدينْ عن الإمام محمد محمود بن أحمدْ يوره عن عبد الودود عن الشيخ سيديّ باب كذلك .
رابعا- وعلى ضوء هذه التوضيحات نرفع اللبس فنعتبر السؤال والجواب كانا مناما لا يقظة ونعتمد الفوارق الواردة في الروايات الأخرى من اختلاف في اللفظ وزيادة في المعنى ، ونعيد صياغة هذه الرؤيا العجيبة على النحو التالي : [حدَّثَ الشيخُ العلامة المقرئ محمد عبد الودود ولد حمّيه الأبييري (1892 م - 9 مارس 1977م) قال : سألتُ الشيخ المجدد بابَ بن الشيخ سيديا ( 1860 م - 10 يناير 1924 م) عن أي الأذكار أفضل فألتزمه فقال لي إنه طرح السؤال ذاته في رؤيا منامية على جبريل عليه السلام فأخرج له من مكتبةٍ "حصنَ الحصين" . قال محمد عبد الودود : فسألته وهل هي مكتبتكم ؟ فقال بالحسانية : عالَم الأرواح ماهُ مگبوظ ابْ ليْدْ ". فسألته عن جبريل عليه السلام فقال لي : "بياض كالثلج"، ثم سألته : ومن أين عرفت أنه جبريل؟ فقال لي بالحسانية كذلك :"الروح ما تِتْغَشْمَ " يعنى أن الأشياء لا تَنْبَهِمُ عليها، لصحة إدراكها].
خامسًا - نص التوضيح الذي كتبه شيخُنا الشيخ ابراهيم بن يوسف حفظه الله : " قرأت منشورا متداولا خلاصتُه أن الوالد الجد الشيخ سيديَ بابه سُئِل عن أفضل الأذكار فقال مجيبا: سألت عنه جبريل...إلخ..يوهم ظاهرُ هذا السياق أن السؤال والجواب كانا يقَظة.وهو خلاف الواقع. فالقصة كانت رؤيا منامية لا أكثر ولا أقل" وأورد روايته للقصة عن الثقات قائلا :" إن رواية شيخنا محمد عبد الودود ابن حميه مشهورة عندنا، فقد رويتها عن الشيخ إسحاق بن أبى مدين عنه، وعن شيخنا العلامة محمد سالم ابن عبد الودود عنه أيضا.وقد قصها الشيخ إسحاق بحضرة والدي الشيخ يوسف بن الشيخ سيدىَ بابه فأقرّه عليها، وكلهم يرويها عن ابن حميه عن الشيخ سيدى بابه على أنها رؤيا منامية. وهذا لا إشكال فيه.وكان من رواية الشيخ إسحاق - وهو فى منتهى الضبط والإتقان - أن عبد الودود سأل الجد عن جبريل فقال له: بياض كالثلج، وقال لى محمد سالم ابن عبد الودود إن ابن حميه سأل الوالد الجد: من أين عرفت أنه جبريل؟ فقال له: "الروح ما تِتْغَشْمَى".يعنى أن الأشياء لا تَنْبَهِمُ عليها، لصحة إدراكها.وكان شيخنا محمد سالم يستحسن هذه العبارة غاية الاستحسان.وهذا دليل قاطع على أنها رؤيا مناميةٌ، فضلا عن كون هؤلاء الثقات الأجِلاء لا يروون القصة إلا على هذا الأساس، ويصرحون جميعا بذلك. ثم إن الأخ عبد الله بن محمد بن أبى مدين حين رأى المنشور الغريب المشار إليه اتصل بالشيخ محمد محمود بن أحمد يوره ابن الربانىّ مستفهِما عن حقيقة ما قرأ، فأكد له أن القصة منامية، وأن لفظ "الباطنة" ليس فيها، وأن الشيخ قال: "عالَم الأرواح". وهذا يلتقي مع رواية الشيخ محمد سالم تماما فى أنها منام".
وقال الشيخ ابراهيم في نهاية التوضيح مؤكدًا: "والحاصل أن هذه
القصة لم يروها الإمام الشيخ محمد محمود ابن الربانىّ عن شيخه العلامة عبد الودود ابن
حَمَّيْه إلاَّ على أنها رؤيا منامية. وكذلك قال كل من حدَّث عن ابن حمَّيه من عامة
الثقات والعلماء الأجلاء والرواة الأثبات الذين سمعوها منه. فلم يروِ أحد منهم أن هذا
اللقاء تم يقظة، ولا حدّث الشيخ سيديَ بابه بأنه كان يقظة، ولا قال ذلك أحد من أبنائه
ولا حفدته ولا تلامذته أبدا.
وختم شيخنا الشيخ ابراهيم بن يوسف بن الشيخ
سيديا توضيحه القيِّمَ بقوله :"هذا ولا
إشكال فى الرُّؤى المناميّة، فيجوز عند أهل السنة والجماعة أن يرى المؤمن فى منامه
ربَّ العالمين - جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه - وأن يرى ما شاء الله من عالم الغيب كالملائكة والجنة والنار وأهوال القيامة وعذاب القبر
ونعيمه وغير ذلك.والرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوَّة، وهى المبشرات
التى بقيت بعد ذهاب النبوَّة وانقطاع الوحيِ وخبر السماء، كما هو معلوم من صحاح الأحاديث".
سادسًا- وفي هذا السياق يقول عالم آخر من دوحة أشياخنا آل الشيخ سيديا هو الشيخ الفخامة بن الشيخ سيد المختار بن الشيخ سيديَّ يجيب من سأله : هل تجوز رؤية الملائكة في الدنيا لغير الأنبياء وهل من صدَّق ذلك يعد صدَّق باطلا أم هو أمر يجوز وقوعه؟ :" هذا أمر لا خلاف بين العلماء في جوازه، إذا كان الملَك على غير صورته، فالملَك إذا تشكَّل على صورة آدميٍّ أو غيره جازت رؤيته وهذا متفق عليه بين العلماء قديما وحديثا، وثمرةُ بحثه في هذا الزمان تنزيهُ صالحٍ أو عالم أو أحدٍ من فضلاء الأمة ادَّعى أنه لقي ملَكا على غير صورته، لئلا نقع في عرضه بسبب أمر متفق بين علماء الشريعة على جواز وقوعه، فيُصيبنا من ذلك ما يُصيبُ من وقع في أعراض العلماء والصلحاء أعاذنا الله تعالى من ذلك وجنبنا سبل الزلات والمهالك.ومن المعلوم بالضرورة أن هذا اللقاء لا علاقة له بالوحي لأن الوحي قد انقطع من السماء ولأن الله تعالى أكمل الدين والنبوة والرسالة بسيدنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم".
سابعا- أما كتاب "الحصن الحصين من كلام سيِّد المرسلين " فهو من تأليف شيخ القراء والمحدثين الإمام مُحَمَّدْ بن مُحَمَّدْ بن مُحَمَّدْ بن عَليّ بن يُوسُف الْجَزرِي الدمشقي العمري الشيرازي الأشعري الشافعي (751 - 833 هجرية) وقال عنه إنه "جمع بَين الذّكر النَّبَوِيّ والْحَدِيث المصطفوي وَالْخَيْر الدنيوي والأخروي" وقد اخْتَصَرَه في كتاب سماه "عُدَّة الْحصن الْحصين من كلام سيد الْمُرْسلين" وَله مؤلف آخر سَمَّاهُ "مِفْتَاح الْحصن".ومن العلماء الأجلاء الذين شرحوا كتاب "عدة الحصن الحصين من كلام سيّد المرسلين" أبو عبد الله محمدْ بن عبد القادر الفاسي (1042 - 1116 هجرية) والشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق (16 رمضان 1307 - 19 رمضان 1410 هجرية ) والقَاضِي محمد بن علي بن محمدْ بن عبد الله الشوكاني اليمني الصنعائي (ت 1250 هجرية) وسمَّى شرحَه "تحفة الذاكرين بعُدة الحصن الحصين من كلام سيّد المرسلين" ورأيتُ شيخنا الشريف الشيخ عليّ الرضا الصعيدي يحضُّ بعضَ مريديه على اقتنائه.
ولم أزلْ أعجبُ ممّا سمعته مرة من المرحوم المحب المجاور محمد الأمين بن احميِّدْ نزيل مقبرة " أحد " من أنه في العهد الذي كان فيه عاملا في مكتبةٍ بجوار المسجد النبوي الشريف كان بيع كتاب " الحصن الحصين " من بين الجرائم النكراء التي لا ينفكون عن تعاطيها تحت جنْح الظلام نظرا لقوة الطلب عليها من المواطنين بالرغم من أن عقوبة مقترفها تصل حدَّ السجن أو التسفير
ثامنا - هذا ولابن الجزري كتبٌ نفيسةٌ أخرى
منها واحدٌ سمّاه " مناقب الأسد الغالبْ مُمزق الكتائبْ ومُظهر العجائبْ ليث بن
غالبْ أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالبْ رضي الله عنه"وفيه يفصح - وهو
"العالم العامل المخلص" - عن انتمائه إلى التصوف الجنيديّ السني أي ذلك الذي
يصفه الشيخ سيدي بابَ بأنه"سَنن من التصوف لم يوصف بإنكارِ"، ومن هذا الكتاب
نقلت مباشرة قوله عن نفسه : "وأما لبس الخرقة واتصالها بأمير المؤمنين علي كرم
الله وجهه فإني لبستُها من جماعة ووصلتْ إليَّ منه من طرُقٍ رجاءَ أن أكون في زمرة
محبيه وجملة مواليه يوم القيامة".
ويذكر سنده في ذلك إلى الشيخ عز الدين أبي
العباس أحمد بن الشيخ محيي الدين إبراهيم بن عمر بن الفرج بن أحمد بن شابور الواسطي
الفاروثي (614 - 694 هجرية) الذي يصفه بأنه "شيخ القراءات والتفسير والتصوف"
فيقول : "فمن ذلك أني لبست الخرقة المتبركة من يد شيخي وأستاذي الشيخ الصالح المسند
المعمر أبي حفص عمر بن الحسن بن مزيد بن أميلة المراغي ثم الحلبي ثم المزي في يوم الثلاثاء
ثاني عشر شوال سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة (12 شوال 772 هجرية ) وأخبرني أنه لبسها من يد شيخه الإمام العلامة الزاهد
العارف العابد الناسك خطيب الخطباء عز الدين أبي العباس أحمد بن الشيخ الإمام الصالح
الزاهد محيي الدين إبراهيم بن عمر بن الفرج بن أحمد بن شابور الواسطي الفاروثي
(614 - 694 هجرية) شيخ القراءات والتفسير والتصوف في سنة تسعين وستمائة (690 هجرية
)".
ثم يذكر بتفصيل ثلاثة أسانيدَ للشيخ عز الدين
فيقول :"وللشيخ عز الدين المذكور في خرقة التصوف ثلاث طرق: أحمدية وقادرية وسهروردية.فأما
الأحمدية: فإنه لبسها من يد والده الشيخ محيي الدين إبراهيم المذكور وهو لبسها من يد
شيخه ومربيه الشيخ الصالح الإمام العالم سيد مشايخ زمانه سيدي أحمد بن الشيخ أبي الحسن
علي بن أحمد بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة المغربي المعروف بابن الرفاعي رحمة الله
تعالى عليه.وأما القادرية فإنه لبسها من يد شيخه الإمام شيخ العارفين وإمام السالكين
شهاب الدين أبي حفص عمر بن محمد بن عبد الله المعروف بعمويه ابن سعد بن الحسين البكري
السهروردي وهو لبسها من الشيخ الإمام العالم السيد الكبير صاحب المواهب والكرامات والعجائب
الظاهرات أبي محمد عبد القادر بن أبي صالح موسى بن حبكي دوست ابن أبي عبد الله بن يحيى
الكيلاني.وأما السهرورديه فإن الشيخ شهاب الدين السهروردي رحمة الله عليه لبسها من
يد شيخه وعمه الشيخ الإمام العارف الكبير ضياء الدين أبي النجيب عبد القاهر بن عبد
الله بن سعد بن الحسين بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن
بن القاسم بن محمدْ بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولبسها هو من يد عمه وجيه الدين
عمر بن سعد وهو لبسها من يد والده سعد بن الحسين ومن يد الشيخ أخي خرج الزنجاني بك
أحدهما مشاركة ليد الآخر. فأما والده فلبسها من الشيخ أحمد الأسود الدينوري وهو لبسها
من ممشاد الدينوري وهو لبسها من أبي القاسم الجنيدْ سيد الطائفة.وأما أخي خرج الزنجاني
فلبسها من أبي العباس النهاوندي وهو لبسها من الشيخ الكبير أبي عبد الله محمد بن حفيف
وهو لبسها من أبي محمد رويم وهو لبسها من أبي القاسم الجنيد وهو من خاله سريّ السقطي
وهو من معروف الكرخي وهو من داود الطائي وهو من حبيب العجمي وهو من الحسن البصري وهو
من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.كذا وردتْ إلينا الخرقة من الحسن البصري
عن علي بن أبي طالب بغير واسطة".
ويختم كلامه فيقول في كلام يطابق ما قاله مؤخرا العلامة أحمدُّ ولد حبيب الرحمان إمام الجامع الكبير في العاصمة انواكشوط :" وأهل الحديث لا يعرفون للحسن البصري سماعا من علي مع أنه عاصره بلا شك فإنه ولد في خلافة عمر(ت ذو الحجة 6 هجرية - 628 ميلادية) وصح أنه سمع خطبة عثمان رضي الله عنهما وأجمع مشايخ التصوف على أن الحسن البصري (21 - 110 هجرية موافق 642 - 728 ميلادية) صحب علي بن أبي طالب (ت رمضان 40 هجرية - 661 ميلادية) ولبس منه والله أعلم.وسألت شيخنا الحافظ إسماعيل بن كثير(701 - 774 هجرية) فقال : لا يبعد أنه أخذ عنه بواسطة ولقياه له ممكن فإنه سمع عثمان بن عفان (ت ذو الحجة 35 هجرية موافق يونيو 656 ميلاية) ".
تاسعًا- قلتُ وبالله التوفيق : مفاد كلام الشيخ ابراهيم بن يوسف بن الشيخ سيديا آنف الذكر لا يدع مجالا للشك في أن السؤال والجواب ما كانا إلا مجرد رؤيى منامية وبذلك رُفع الإشكال عن كل من كان لديه في ذلك إشكالٌ أصلا ..أما أنا فإنني والله لم أعد أتذكر إن كنت استحضرتُ عند سماع هذه القصة سابقاً أو كتابتها لاحقاً إن كان السؤال والجواب وقعا في اليقظة أو المنام لسببين: أولهما ما انطبع في اللاشعور عندي من إجماع العلماء على جواز ذلك شرعًا في الحاليْن بصيغة معينة والثاني قناعتي الراسخة بأن شيخنا ابن شيخنا بابَ بن الشيخ سيديا رضي الله عنه من العلماء الصالحين المهيَّئين بالفطرة والتربية والإستقامة لمثل تلك الكرامة خاصةً أنني سبق أن رويْتُ له مباشرةً عن العبد الصالح دودُ ابن لمرابط محمذن فال بن متالي عن خاله العلامة اگليگم ابن محمذن فال بن متالي عن شيخ الشيوخ يحظيه بن عبد الودودْ عن الشيخ باب بن الشيخ سيديا قوله إنه صافح بيده الشريفة أولي العزم من الرسل ! وفي هذه المرة كذلك والله لم أعد أتذكر إن كنت استحضرتُ آنذاك إن كانت هذه المصافحة وقعت يقظةً أو مناما لجواز وقوعها في الحالين شرعاً بصيغة معينة ولقناعتي الراسخة بأن الشيخ باب يُستساغ في حقه ذلك للأسباب آنفة الذكر.
وقد عبّر العارف بالله شيخنا الشيخ محمد فال
(ابّاه ) بن عبد الله حفظه الله ورعاه عن منهج الشيخ سيديَّ بابَ أدق تعبير فقال:
[انتهج الشيخ سيدي باب في سلوكه الشرعي منهجا وسطا في الاعتقاد والفقه والنصوص، اختار
فيه من كل مذهب أرجحه ووافق كل طائفة في أحسن ما عندها ، فلعله لأجل ذلك كانت كل جماعة
في البلاد تعده منها ، وتعتز بذلك ، وهي صادقة في ذلك: لأن كلا يجد عنده ما يستحسنه
من قول أو عمل ، ولذلك كان محل اتفاق عند الجميع:
في مسائل العقيدة اختار الشيخ سيدي مذهبَ
السلف من المذهبيْن اللذيْن اشتهرا في المتشابه من آيات الله وصفاته ، وهو التفويض
من غير تشبيه ولا تعطيل.
وفي الجدل الذي جرى حول علم الكلام رأى الشيخ
سيدي (بابَ) أن معجزة القرآن فيها كفاية للمسلم يغنيه عن الخوض في مسائل علم الكلام
لاكتفاء المسلمين بها في العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين ، وردَّ ما ادعاه المنتصرون
لعلم الكلام من لزوم الدور على الاكتفاء بمعجزة القرآن بأن الجهة منفكة ، ونظم في ذلك
أبياتا نقل عليها فوائد كانت لها بمنزلة الشرح.
وفي الفروع كان مذهب الشيخ سيدي بابَ العملُ
بما رجح من الدليل لأن العمل بالراجح واجب ، ولا يرى أن ذلك منافٍ للتقليد الواجب على
غير المجتهد ، بل يوافقه، لأن المقلد في هذه الصورة تابع للمجتهد القائل بمقتضى ذلك
الدليل.
وكان عند إقامة الفرائض والسنن والنوافل يبالغ
في الاحتياط بما تبرأ به الذمة ويخرج به من العهدة ويحصل به الكمال ، يطيل في المواضع
التي يسن فيها التطويل ، لأنه يرى أن التخفيف الذي يؤمر به الأئمة نسبيٌّ لا يمكن ضبطه
إلا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما هو مذهب المحققين ، لا كما
يقول المتأخرون من الفقهاء المقلدين وقد أوضح مذهبه من العمل بالراجح من الدليل في
كتابه إرشاد المقلدين
(……).
وفي التصوف كان الشيخ سيدي باب يقول في نظمه
ونثره إن التصوف علم وعمل وإخلاص ويحذر مما يخالف ذلك ، وقال في ذلك:
حقيقة الصوفيِّ عند القوم °° أهلِ الصفاء من دواعي اللوم:
العالم العامل في إخلاص °° لا غير يا مبتغيَ الخلاص
والشيخ في هذا الزمان الآخر °° ليس كما تعرِفُ في ابن عاشر
يصحب شيخا عارف المسالكْ °° يقيه في طريقه المهالك !
يشير إلى قلة الصادقين في هذه الأزمنة ، وله
في ذلك قطع مشهورة محفوظة ، ولم يزل المحققون من الصوفية يحطون على المنحرفين من المنتسبين
إلى طريق القوم من غير التزام مذهبهم حتى حمل ذلك القشيري في رسالته على إنشاد قول
القائل:
أما الخيام فإنها كخيامهم °° وأرى نساء الحي غير نسائها
وقال زروق : "وأما الآن فلا خيام ولا نساء !
وفي قطعته التي قال في دار الكتب عَدّ ما يدرس فيها من العلوم النافعة وقد ذكر منها التصوف؛ فقال:
إلى أصول إلى فقه إلى سَنن °° من التصوف لم يوصف بإنكارِ !
قلت: وفي هذا السياق سألتُ العلامة لمرابط الحاج ولد فحفُ في شتاء سنة 1994 في حاضرته المحروسة في تگانت عن موقفه من التصوف فقال لي ما معناه :" لم أصادف من تُسلم إليه القلوب في هذا الزمان "! ورويتُ ذلك مرة لشيخنا العلامة ابَّاه بن عبد الله فعلق قائلا :" عدم الوجدان لا يستلزم عدم الوجود".
قلت: وقد سيق في هذا المعنى قول الفخر الرازي
في تفسيره في معرض كلامه عن أعداد الأفلاك:"قالوا: إنها تسعة فقط، والحق أن الرصد
لما دل على هذه التسعة أثبتناها، فأما ما عداها، فلما لم يَدُلَّ الرصدُ عليه، لا جرم
ما جزمنا بثبوتها ولا بانتفائها"!
ومصداقا لما ذكره شيخنا محمد فال (اپّاه
) بن عبد الله ، فقد قال أخونا الفقيه الباحث محمد يحيى بن احريمُ:" ومن علماء
بلادنا طائفة اشتهروا عند العامة بمنابذة بعض صوفية زمانهم، ولكن الخبير بهم يعلم أن
لهم تعلقا في الجملة بالمنهج الصوفي العام. ومن هؤلاء الإمام المجدد الشيخ سيدي
باب الذي ظهرت خلفيته الصوفية في أجوبته للشيخ أحمدُّ بمبَ ، والشيخ بن حامَّنِّى الغلاوي
والفقيه محمد يحيى الولاتي، وشيخ مشايخنا سيدي محمد بن حينْ ناظم حكم ابن عطاء الله،
وغيرهم رحمة الله عليهم جميعا. فالخلاف بين هؤلاء ومعاصريهم من الصوفية إنما هو في
تحقيق معنى التصوف، وتخليصه من الشوائب".
قلت: وفي هذا الإطار رويْتُ عن بعض الثقاة
راويا عن الشيخ محمد فال (ابّاه) بن عبد الله عن الشيخ العلامة محمد فال بن بابَ بن
أحمدْ بيبَ أنه كلّم الشيخ سيدي باب مرة في موقفه المعلن من التصوفِ فردّ عليه قائلا
ما معناه : " معاذَ الله أن أنتقد التصوف الجنيديّ إنما أعني بذلك أدعياء التصوف
الذين يلوّحون بسبحاتٍ كبيرة الحجم ويعزفون عن تعلم العلوم الشرعية "!
عاشراً - ومن جهة أخرى فقد قال شيخُنا الشيخ ابراهيم بن يوسف حفظه اللهُ ورعاهُ في معرض توضيحه هذا مؤكدًا :"نعمْ . ليس فى التدوينة التصريحُ بأن هذا اللقاء كان يقظة، لكنّ ظلالَها وأجواءَها وإيحاءاتِها كالصريحة فى ذلك.وفى ذلك خطر بيِّنٌ على عقائد العامة".
وأنا بدوري أخشى أن يكون تشنيع العلماء الأجلاء
إلى هذا الحد - خاصة إذا كانوا قدوة في المجتمع - لأمر "متفق بين علماء الشريعة
على جواز وقوعه بصيغة معينة وأقصى مراتبه أن يكون خلافياً ،قد يكون أكبرَ خطرًا على
عقائد العامة بل عقائد الخاصة من المسلمين ! أقول هذا وأنا أقرأ بعض البذاءات التي
وصلتني آنذاك على الخاص من بعض خاصة المسلمين لا عامتهم ! وكأني بمن ينبرِي فيقول
: كيف يصدر مثل ذلك ممّن يفترض فيهم من العلم والأخلاق ما يحفظ صدورهم من سوء الظن
بالمسلمين ويلجم ألسنتهم عن انتهاك أعراضهم ؟ وهنا أنتصبُ مدافعا فأقول : وكيف لا يصدر
مثل ذلك بل وأسوأ منه ممن كيّف له العلماء المفتون - وهم قدوته في الحياة ومثله الأعلى
في الدين والدنيا - ذكرَ خصوصية من الخصوصيات وكرامة من الكرامات على أنها اتهام بِمحض
الضلال ؟! وقد ورد في طبقات الشافعية الكبرى لمؤلفه تاج الدين السبكي قول أبي الْعَبَّاس
عِيسَى بن مُحَمَّد بن عِيسَى الطهماني الْمروزِي :"إِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
يُظهرُ إِذا شَاءَ مَا شَاءَ من الْآيَات والعبَر فِي بريته فيزيد الْإِسْلَام بهَا
عزا وَقُوَّة، وَيُؤَيّد مَا أنزل من الْهدى والبيِّنات، وينشر أَعْلَام النُّبُوَّة،
ويوضح دَلَائِل الرسَالَة،ويوثق عرى الْإِسْلَام، وَيثبت حقائق الْإِيمَان منا مِنْهُ
على أوليائه وَزِيَادَة فِي الْبُرْهَان بهم"!وخلاصة القول أن هؤلاء معذورون في
كل ذلك وهم في حلّ من أعراضنا! وأضربُ صفحا عن هذا المجال احتراما لشعور القارئ، وأعترف
بأنّ كلّ ذلك يبقى قليلًا في حق من أُهدرَ عِرضُه بتهمة متأوَّلة.
ومهما يكن من أمر فإن ما يشفع لهؤلاء البرآء أنهم أحسنوا إليّ من حيث أرادوا إساءةً بأن
منحوني فرصة لا تُعوض لأذكر لمن يهمه الأمر
نماذجَ من تلك "الأمور التي قال بعضهم إنها عندي وعند أسلافي " وخاصة منها
ما يتعلق بعلاقتنا القديمة المتجددة بهذه الدوحة الكريمة حتى قبل ظهور الشيخ سيديا
الكبير نفسه بعُقودٍ عديدة .ففي كتاب التمهيد لأبي عمر بن عبد البر بسنده إلى من يروي
عن سفيان بن عيينة رحمه الله أنه يقول:"عند ذكر الصالحين تتنزل الرحمة".قلت
: وقد قال أحد العارفين لمريدٍ له : إذا كان عند الصالحين تتنزل الرحمة ، فما ذا يتنزل
عند ذكر الله ؟! ثم أردف قائلا إنه الطمأنينة { أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ } فخرّ المريد صاعقا ! نرجو أن تتنزل علينا الرحمة بذكر الصالحين وأن تطمئنَّ
قلوبُنا بذكر الله
..
أ) - إخبارُ العلامة الولي محمدْ والدْ بن خالُنا الديماني (ت 1212 هجرية) بظهور الشيخ سيديا الكبير:
كان لأحد أفراد هذا السلف المذكور وهو العلامة محمد والدْ بن خالُنا (ابن عمنا وتلميذ عمّه جدِّنا الأعلى العلامة المختار بن خالُنا) ، شرفُ السبق بالإخبار يقظةً هذه المرة لا مناماً عن طريق الكشف الصريح بظهور الشيخ سيدي الكبير ولمّا يزلْ الشيخ آنذاك طالبا في محظرة العلامة الجليل حرمة بن عبد الجليل.وقد رويْتُ ذلك شخصيا بسند متصل مباشرة عن أخي في الله أحمدْ بن محمدْ الملقب أمنادمْ بن سيديا بن سيديا بن الطالب بن المختار بن الهيبَه الإنتشائي قال : رويتُ مباشرة عن أحمدْ بن مولود بن داداه ( وهو الأخ الأصغرْ للمؤرخ المشهور محمدْ بن مولود بن دادَّاهْ) عن والده مولود بن دادّاه عن والده أحمدْ محمود الملقب داداه عن والده حرمه بن محمد مختار الانتشائي أنه رافق مرةً منيه بن ألفغ عبيد (ومنِّيه آنذاك شيخ مسنٌّ ) ذهبا مغرّبين خارج الحيّ يرقبون غروب الشمس كعادة القوم ،فلما ابتعدا نسبيا عن المخيم سأله منيه قائلا : هل لا زلت ترى خيام الحيِّ ؟ فأجابه بالإيجاب .. فقال : أما أنا فلا ، وأردف قائلا : " سبحان الله ! "المرء بعد تمامه يحري (1) .. كنت أيام زمان حادَّ البصر أرى ما لا تدركه الأبصارُ من أمثالي ، و مُرهفَ السمع أسمع ما لا يطرق مسامع الآخرين ، و إذا عدوت مسرعاً أنطلق كالبرق الخاطفِ فلا يدركني طالبٌ و ما عدوتُ مسرعا في إثر سابق قطُّ إلاَّ أدركته مهما بلغت سرعته .. ثم استطرد قائلا :" أخبرني شيخي وليُّ الله والدْ بن خالُنا الديماني (ت 1212 هجرية ) أن أمر الزوايا عامة و الأبييريين خاصة سيصلح على يد طالب تغيّب من عشيركمْ في طلب العلم "! قال منيه :وكان قد تغيب آنذاك في طلب العلم اثنان من الجماعة أحدهما هو ابن أختي سيديا بن المختار بن الهيبه و الثاني هو ابنُ أخي سيد المختار بن سيديا بن ألفغ عبيد ،وختم بقوله وأنا أتمنى في نفسي أن تكون تلك البشارة من نصيب ابن أختي سيديَّ دون ابنِ أخي محمدْ "..
ومن مراجعنا في هذه الرواية المتواترة كذلك
العلامة هارون بن الشيخ سيديَّ إذ أوردها في" الجزء الأول من كتاب" الأخبار" الطبعة الأولى - الصفحة 73 – 74 حيث
كتب بالنص أن محمذن الملقب منِّيه بن الفغ عُبَيْد و هو خال الشيخ سيديَّ الكبير الذي
رأس أولاد أبييري في مرحلة معيَّنة من التاريخ ، قد انكسر بعد قيادته لإحدى الحروب
القبلية الطاحنة فذهب إلى محمدْ والد بن خالُنا الديماني و صحبهُ وتاب إلى الله تعلى
معه توبة نصوحاً وصار يبكي من خشية الله . روى الشيخ هارون أن منِّيه قال إنَّ شيخه
محمد والدْ المتوفَّى سنة 1212 هجرية قال له مرةً : " إن دولة الزوايا مطلقا،
ودولة أولاد أبييري خاصة، ستصلح على يد واحد من قومكم المتغيبين في طلب العلم".
قال: وكان من بين المتغيبين منهم آنذاك لطلب العلم ابن أخته (الشيخ) سيديَّ وابن أخيه
سيدي المختار. فكان منِّيهْ يتطلع دوما إلى
خبر الشيخ سيديَّ (ابن أخته) أكثر من تطلعه إلى خبر سيد المختار (ابن أخيه) ويقول:
"إنه هو يرجو ذلك لابن أخته الشيخ سيديَّ دون ابن أخيه سيد المختار بن سيديا".
وتمر الأيام لتتحقق أمنية الخال و تنكشفَ
للعيان صحة كشف محمد والد بن خالُنا بظهور الشيخ سيديَّ الكبير بعد عودته من رحلته
الأزوادية سنة 1242 للهجرة أي بعد ثلاثين
(30) سنةً من وفاة محمدْ والد بن خالُنا المتوفى سنة 1212 هجرية وبإصلاحاته المشهودة
لاحقا !
يقول الشيخ هارون: "ومنِّيه هذا ابن
ألفغ عبيد هو الذي ذكره الشاعر الحسَّاني عبد المالك في عدة أقرباء الشيخ سيديَّ الكبير فمدحه قائلا من الشعر الحساني:
خالُ منّيه الرايس الصبّارْ °° عطّاي كيف عشّايهَ ميَّ
اصوّاعهَ زاد فَيْتانْ الاشرارْ °° ما گط ابغاله النعريَّ].
قلت: ومنِّيه بن ألفغ عُبيد هو رابعُ إخوته
الأشقاء : أم المؤمنين (والدة الشيخ سيديا) وأحمدْ بابو الملقب أبّاه والعلامة سيديا
(الجد الأعلى لأسرتيْ أهل سيدي عالي وأهل سيديا الملقب تاج العارفين).والعلامة سيديا
هذا هو أول من أستهلّ عليه سميّه وابن أخته الشيخ سيديا دراسته المحظرية. قال لمرابط
محمد سالم ولد عدود "سمّتْ عائشة بنت ألفغ عبيد ابنها باسم أخيها (سيديا ) فقيل
لها بالحسانية : "ثگَّلتِ عليه” فقالت كلمتها المشهورة: “ربهم واحد”،فتجاوزت التوقعات
ما كانت هي تتوقع إذْ جاء الشيخ سيدي”!.وتتجلَّى مكانة هذا الشيخ عند سميّه وتلميذه الشيخ سيديا في مرثيته البديعة
التي أرسل من منطقة أژوادْ لما علِم بوفاته ومطلعها :
عضبُ الحمام لنقْف الهام مُنتزِعُ °° لا شفرَ إلاّ على أقحافه يقعُ
ويصف وقع المصيبة عليه فيقول :
وكم سقانا بفقد الحَبر مُترعةً °° من الحناظل والأيامُ ذي جُرَعُ
و يقول في وصف الفقيد :
بذاته من صفات الخير مجتمِعاً °° ما ليس يُخشى على مَن ضمّه فَزَعُ !
ب)- وهكذا فقد تشبّعتْ أسرتُنا - أسرة آل خالُنا - من حبّ هذه الدوحة الكريمة وتقديرها واحترامها شيئا لا كفاء له وقد تجسد ذلك على مرّ الأحقاب والأجيال و تضاعف بانخراط بعض أفرادها مبكرا في طريقة الشيخ سيديا الكبير: الطريقة القادرية الكنتية بواسطة بعض الأجلة من مريديه . وفي هذا الإطار فقد منَّ الله عليّ بأن أخذتُ تلك الطريقة يافعا عن أحد أخوالي الشرفاء آل حمدًا الملقب ادًّا (أمه غديجه بنت محمدْ العاقل الديماني) بن عبد الله بن العلامة ألفغَ مينّحنَ بن القطب الشريف مودي مالك وهو شيخي الشيخ الشريف أحمدْ محمود (ت 1989 م) الذي أخذ عن أبيه وشيخه الشريف المختار اسلامَه عن ابن عمه وشيخه الشريف احمادَه بن أَلْمامي عن شيخنا الشيخ أحمدُّ بن اسليمان عن شيخنا الشيخ سيديا الكبير رضي الله عن الجميع .. وما الورد سوى أذكارٍ مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وبعض النوافل ببعض صور المفصل كل هذا بمقاديرَ معينة دبُر الصلوات المفروضة وكل ذلك بعد القيام بالواجبات التي أوجبها الله تبارك وتعالى على سائر المسلمين.وحسبي فخرا أن أُعزَى إلى هذا الحزب أو أكون لأهله جارا وأُلهمَ الصبر تحت ذلك الثقاف لأظفر بما ذكره شيخنا الشيخ سيديّ الكبير في قطعته التالية :
مناقبُ حزب الله خيرُ المناقب °° ورتبتهمْ في الفضل فوق المراتب
وسيرتهمْ في الخلق أحسن سيرةٍ °° ومذهبهمْ في الحق أبهى المذاهب
همُ القومُ لا يَشقى جليسهمُ ومَن °° يحاربْهُمُ مِن ذي الجلال يُحارَبِ
لهم هممٌ تعلو السِّماك ويدَّني °° لمُعمِلها في الحين أقصى المآرب
فلا تعدونْ عيناك عنهمْ فإنهمْ °° شموسُ هدى تجلو غيومَ الغياهب
وثقْ عن يقين إن عُزيتَ إليهمُ °° وكنت لهمْ جارا بنُجح المطالب
وأنك من ربّ العلا في عناية °° بها دفعُ ما يُخشى وجلبُ المواهب
ولكنْ عليك الصبر تحت ثِقافها °° بمعترك التعريف مَجرى المصائب !
وقد تجسدتْ علاقتي بهذه الدوحة الكريمة في العديد من المناسبات هذه نماذجُ منها :
قلتُ في رثاء الفقيد الشيخ الخليفة موسى بن الشيخ سيديا المتوفَّى في شهر فبراير 2016م :
جرِّدْ رويا شموسا °° وارْثِ الخليفة موسى
وواس الآشياخ فيه °° بدورَهم والشموسا
وأغشَ المجالس منهم °° توقَّ شرا وبوسا
لهم مقاعدُ صدق °° داموا عليها جلوسا
للشيخ سيديَ سرٌّ °° منه أداروا كؤوسا
وظاهرُ السرِّ فيهم °° ما إن يخاف طموسا
فكم قلوبٍ قد أحيوا °° وكم أماتوا نفوسا
مذ أعلنوها عليها °° حربا سجالا ضروسا
تفوق حربَ بُعاث °° وداحسا والبسوسا
والروحَ منا كسوها °° من الصفاء لبوسا
أشياخَنا الشمَّ دمتم °° لنا هداة رؤوسا
فكم قضيتم لدينا °° مظالما ومكوسا
إني حلفت يمينا °° ليست يمينا غموسا
ما إن أفي الحقَّ منكم °° ولو ملأت الطروسا
على النبي صلاة °° تنسي الزمان العبوسا !
وفي يوم 13 اكتوبر 2016 زرتُ عين السلامة في تعزية في وفاة الناهَ بنت الشيخ عبدُ الله بن الشيخ بابَ بن الشيخ سيديَّ فقلت :
مَنْ يُيَمّمْ في الزَّوْر" عَيْنَ السَّلامَهْ " °° ما عليهِ في زَوْرها من ملامَهْ
قلْ لمن رام من مَخُوفٍ سَلامًا °° إنَّ عينَ السَّلامَ " عينُ السَّلامَهْ "
فأرجِّي من زورها كلَّ خير °° و أرجِّي من الشرور السَّلامَهْ
هي عينٌ ترعى السلامة فينا °° هي عنوانُ مجدنا و العلامَه
رام وصفا لها الخيالُ مُجِدًّا °° قلتُ مهلا أيا خَيَالُ أَلاَ مَهْ
ليس يُحصِي المُثْنِي عليها ثَنَاءً °° كُلَّما قد أَطالَ فيها كلامَه
يَسعد المرءُ في رُباها فمن لمْ °° يأْتِها فَلْيُبلِّغَنْها سَلاَمَهْ!
وقلتُ في زيارة مقبرة تندوجه صبيحة الجمعة 13 اكتوبر 2017م وكنت صحبة الشيخ سيديَّ ولد الشيخ الحكومة تغمده الله برحمته الواسعة . وفي طريقي إليها مررتُ بتيدملِّين حاضرة المرحوم الشيخ يحيى بن الشيخ سيد المختار بن الشيخ سيديا حيث توجد حضرته ومحظرته ومررتُ قبلَ ذلك بإزاء حاضرة تامرزْگيتْ حيث يوجد الشيخ الخليفة ابراهيم بن الشيخ سيد المختار بن الشيخ سيديا حفظه الله ورعاه :
قد بلغنا بزوْر " تِنْدَوْجَ " أَوْجَا °° مَا بلغنا إلى قَضَا كلِّ حَوْجَا
فسلكنا لزورها اليومَ طُرْقًا °° لم تَحِدْ عن " تِنْدَوْجَ " لم تَكُ عَوْجَا
لَحظتْنا " عَيْنُ السَّلاَمَةِ " فيها °° مِنْ بَنِي الشيخ مَنْ بما قد أَتَوْا جَا
و بتَمْرَزْكِيتٍ سعدنا و فيها °° رُبَّ مُزجَى بضاعةٍ نالَ رَوْجَا
و بِ " تِيدِمَّلِّينَ " عُجنا فنلنا °° في حِمَاهَا من كلِّ ما طاب زَوْجاَ
و ظفَرنا بالأَمن من كُلِّ شرٍّ °° مَا أتتْنا به عواصِفُ هَوْجَا
رُبَّ قلبٍ ميْتٍ أتاها فيَحْيَى °° و نفوسٍ تَمُوتُ فَوْجًا ففَوْجَا
إذْ بها البحرُ زَاخِرُ الْيَمِّ طَامٍ °° يقْذف الدرُّ منه موْجًا فموْجَا!
وفي الأخير أختم فأقول باسم الأسرة - وليس ذلك افتياتاً عليها - إننا يصدق علينا في شأن هذه الدوحة الكريمة قول امحمد بن أحمدْ يوره :
ففي الضمائر من حسن الظنون بكمْ °° ما لا يؤديه تعبير بأفواه
وننتهز هذه الفرصة لنجدد عهدنا ومواثيقنا
مع شيخنا الشيخ سيديا الكبير ونتعهد بالالتزام بما يترتب عن ذلك من حق لأبنائه و حفَدَته
ونلتزم بأن لا نختلف معهم إلا في ما اختلفوا فيه مع الشيخ الجد الجامع من أقسام الدين.
وقدوتنا في ذلك شيخ الشيوخ العلامة المفتي والشيخ المربّي محمد عالي بن محنض الأبهمي
وهو من كبار تلاميذ الشيخ محمدن بن الشيخ أحمدْ بن الفاللِّ مريد والده الشيخ أحمدْ
بن الفاللِّ تلميذ شيخنا الشيخ سيديَّ الكبير ، إذ رويْتُ عن بعض الأجلاء الثقاة أنه
التقى مرة في السنغال بالشيخ عبد الله بن الشيخ سيديَّ بابَ وخلال حديث علميٍّ وديٍّ
بينهما عرضتْ لهما مسألة معيّنة فبيّن الشيخ عبدُ الله فيها اجتهادَ والده الشيخ سيدي
بابَ فقال له محمد عالي :" أما هذه فأنا فيها على منهج شيخنا الشيخ سيديا الكبير"
فضحكا و أصبح حديثهما طُرفةً تُروى مثالا للعهد والإنصاف !
والله وليّ التوفيق.
محمدن بن سيدي الملقب بدنَّ
Commentaires
Enregistrer un commentaire