المهاجر المحب: محمد الأمين ولد احميِّدْ رحمه الله

من صفحة Mohameden Ould Sidi Bedena 

التاريخ : الإثنين 29 يونيو 2020 م

المهاجر المحب محمد الأمين ولد احميِّدْ : 44 سنةً في جوار الحبيب صلى الله عليه و سلم .

قال الأديب الكبير حقًا سليل الأدباء سيديا ولد هدَّار في الأخويْن ابنيْ احميِّد :

وخْيَرْتْ أَلِّ ما تُسَعْمَلْ
يكون الى عادْ الْ جيِّدْ
بوْلادْ احميِّدْ مُحملْ
لحْميِّدْ و أحملْ لحميِّدْ !

أما أحمدْ ولد احميِّدْ فهو والد أحمدُّو بن احميِّدْ الصحفي المتوفَّى في 17 نوفمبر 1989 و أخويْهِ لأبيه : محمد فال و  آمنة رحمهم الله .
و أما محمدْ فهو والد الداهْ و محمذ و محمدن (حدَّانْ علماًرحمهم الله و احبيبْ حفظه الله .
و أما الداه فهو والد محمد الامين الفقيد من زوجته الأولى خديجة بنت الشريف محمد غلام بن محمدالفخيم .
توفي محمد الأمين بن الداه بن احميِّدْ  الأبهمي الديماني عشية يوم أمس الأحد 29 يونيو 2020 أيْ ليلةالاثنين المبارك في المدينة المنورة و دفن في سفح جبل أحد غير بعيد من جده الحبيب صلى الله عليه وسلم و من جده لأمه كذلك الشريف الصالح : محمدْ غلامْ بن الفخيم نزيل البقيع الطاهر َ الذي سبقه إلىهنالك و كان السبب في سفره  إلى تلك الديار المقدسة .
عرفت الفقيد منذ القدم في الحيِّ في سن الطفولة و المراهقة و الشباب و كان يكبرني بحوالي خمسسنوات إذْ أنه من  مواليد "الدَّگدِيگتْ لِگْواربْ " أي 1950 . و نتيجةً لفارق السن كان من كبار "العصر " الموالي لعصري مباشرة و لذلك لم يكن الحاجز بيننا كثيفاً و سرعان ما رَفعتْ كلفةَ التحفظ  بيننا عواملثلاثة هي : دراستُنا المشتركة المبكرة في المحظرة القرآنية على المقرئِ محمدنْ بن والد ذي السند المتصلبالمرجعية  المعروفة في القرآن : المقرئ محمذن فال ولد بو فرة رحمهما الله و في مدرسة ابَّيْر التورسالابتدائية طوال عقد الستينات و دراستنا المحظرية الموازية على العلامة گرايْ ولد محمدْ بابَ ولد امحمدْولد أحمدْ يوره تلميذِ و خليفة العلامة محمد عالِ ولد محنض في محضرة الحيِّ العريقة.و كان الأستاذگرَّايْ هو معلمنا ايضاً للغة العربية في المدرسة النظامية.
كان محمد الأمينْ مواظباً و جديا في الكتَّاب و في المحظرة و في المدرسة و لذلك لم يجد عناءً كبيراً فيالنجاح في امتحان شهادة الدروس الابتدائية العربية و في مسابقة دخول السنة الأولى من المرحلةالإعدادية المنظم في مدينة المذرذرة مركز المقاطعة في شهر يونيو 1970.و لحسن حظي كنت أحدَالتلميذيْن الناجحيْن معه من قسم السنة السادسة في مدرسة ابير التورس .و لحسن حظنا جميعاً كانالناجح الثالث هو أخونا محمذن بن أحمدْ بن حمدنْ - النِّمْ علَماً - أستاذ العلوم الطبيعية المشهور فيانواكشوط.
و هكذا انتُدبنا ثلاثتُنا للدراسة في ثانوية روصو عاصمة ولاية الترارزة في السنة الدراسية الموالية1970-1971 و فيها اتخذنا لنا مساكن في القسم الداخلي لا نغادره إلاَّ للدراسة في الأقسام أو لتناولالوجبات الاعتيادية الثلاث في المطعم أو لاحتساء كاسات شايٍ خاطفة لدى التاجر عبد الرحمان رحمهالله في حي "تنگن " المجاور قبل أن يدقَّ الجرسُ مؤذنا بانطلاق ساعة المراجعة الليلية المفروضة داخلَالأقسام الدراسية .
و كثيراً ما كانت تلك الساعة تنقضي بالإمتعاض من تلك النبرة الغريبة التي يرطن بها الأساتذة و كانأساتذتي  شخصيا كلهم فرنسيين باستثناء  اللغة العربية ذات الساعتيْن في الأسبوع و التي يدرسهاأستاذ مصري كنا نقول إنه من علماء الأزهر الشريف.
و بانتهاء ساعة المراجعة من التاسعة إلى العاشرة، نهرع إلى بيوتنا بْلَ قاعاتنا الجماعية  Dortoir حيثالأسِرَّةُ ذات الدرجتيْن السفلية و العلوية قبل أنَ تنطفئ الإنارة وجوباً فندخل في ناموسياتنا غيرِ المشبعةِو نخلد للنوم بإشراف المراقبِينَ تحت العين اليقظة الساهِرة للمراقب الداخليِّ العام مولايْ محمدْ رحمه اللهو المراقب الخارجي العام المختار بن حمينَّه حفظه الله!
و لا زلنا ننتظر بتلهف شديد عطلة نهاية الأسبوع لنذهب راجلين ضمن أفواج من التلاميذ من كلالمستويات و الجهات و الأعراق و الفئات العمرية إلى مدينة روصو لمشاهدة أفلام في السينما .
و ما إن يُرديَ البطل خصمه في نهاية المطاف ، بلكمة قاضية أو طلقة نافذة حتى تضجَّ القاعة بالتصفيقو ننطلق مسرعين إلى " الصطارة " و كل تلميذٍ يسترجع ما استوقفه من مواقف لافتة طوال تلك الساعاتالأربع التي استغرقهما العرض .
و في الصطَّارة حيثُ مُنْزَلُنا المبارك ،  ينتظرنا أهل المعلوم أو أهل السالك بصنوف من الضيافة شبيهةبتلك التي يصفها أستاذنا الطالب محمد فال ولد عبد اللطيفْ في شعره البديع في تلك الحقبة الجميلةمن التاريخ .و لم يكن ينغص عطلتنا تلك سوى البعوض و ما أدراك ما البعوض في أرض شمامهْ و علىشاطئ النهر في سنة أمطارها كثيرة و سيولُها غزيرة .
أما أنا و الفقيد محمد الامين بن احميِّدْ فربما تخلفنا عن الركب فقضينا عطلتنا الأسبوعية في مدينةاندرْ بالسنغال لصلة رحِمِ الوالدين التاجريْن هناك رحمهما الله و لكن للتموين كذلك .
و لا زال برنامجنا على تلك الحال حتى كسرتْ رتابتَهُ موجةٌ عارمةٌ من الإضرابات بتنظيم من  "الكادحينبقيادة أربعة أفراد  أذكر منهم با آمادو رئيس المجلس الجهوي الحالي في گورگل و مولاي المحامي والخطيب المفوه بالَّه الشريف رحمه الله .
و بسرعة حاول النظام كبح جماح المضربين المتظاهرين و يعلق بذاكرتي من القادة العسكريين النشِطينفي ذلك المجال اثنان هما : اپَّپَّ چالو من الجيش و صَوْ من الدرك لقيته لاحقا في انواكشوط في سنة1981 عندما كان نائب وكيل الجمهورية في المحكمة العسكرية الخاصة .
و لما لم يوفق النظام في تحقيق مطلبه بالقوة أوفد معالي الوزير المزدوج المكلف بالإعلام السيد با مامدوالحسن ( رئيس حزب PLEJ حالاًفي مسعًى سميَ آنذاك بالحوار و هو الاسم الذي أطلقه التلاميذبسرعة على الوزير نفسه فاشتُهر به إبتداءً من ذلك التاريخ !
و لمَّا لم يُجْدِ الحوار تم إغلاق الثانوية و وُصِدَتْ أبوابُ المطعم و أخْلِيَتْ المباني السكنية من الطلابِ و تمتوفير وسائل النقل بسخاءٍ من قبل المقتصد عزيز رحمه الله و كان حظي منها تسخير Réquisition  ولجتُ به القصر الرئاسيَّ في انواكشوط لأول مرةً في حياتي و ظفرتُ بتذكرة امتطيتُ بها الطائرة لأولمرة كذلك (DC3) فحطتْ بيَ في مدينة انواذيبُ في أقصى الشمال حيث يوجد خالي التاجر فيكانصادو : عبد القادر تغمده الله برحمته الواسعة.
في ذلك التاريخ كان أخونا النِّمْ ولد أحمدْ ولد حمدنْ قد اضطرَّ من قبلُ بسبب الملاريا إلى الانفصال عنالدراسة و استعادة دراسته المحظرية المعمقة في الحيِّ .
أما أنا و الفقيد محمد الأمين فقد استأنفنا لاحقاً دراستنا في السنة الموالية  1971-1972 في السنةالثانية من التعليم الإعدادي بعد أن نجحنا "بجدارة " في ذلك الإختبار الشكلي جداً في الرياضياتالحديثة الذي تلقيناه على أيدي أستاذيْنِ متمالئَيْن مع الطلاب لميولهما اليساري كما قيل لنا آنذاك هما : افَّال چيرنو رحمه الله و اعْلِ ولد ببوط حفظه الله .هكذا قررت الإدارة ممثلة في المدير سَاغُو و مديرالدروس افَّاصَّا  أن تمنح ذلك التسهيلَ للطلاب المضربين حتى لا تضيع لهم سنة دراسية كاملة في مهبالرياح .
و هكذا عدنا بانسيابٍ إلى سيرتنا الأولى في الدراسة و الشايِ و السينما المشفوعة بحسن الضيافة وعض البعوض و قضاء عطلة نهاية الاسبوع مرةً في داخلَ الحدود و مرة خارجهاَ في مدينة سان لويسبالسنغال.
و لا زلنا كذلك حتى قررتُ فجأةً في مطلع  سنة 1972 الانتقال إلى انواكشوط لمتابعة الدراسة هناك فيإعدادية خيَّار ، فانقطعتْ الصلة بيني و بين محمد الأمين بن احميِّدْ ردحاً من الزمن إذْ لم ألقهَ إلاَّ بعدذلك بشهور عديدة عندما جئتُه أعيده في  المستشفى الوطني بانواكشوط حيث تم رفعه  من روصو للعلاجمن حمى الملاريا  لفرط ما تعرض له من عض البعوض العضوض.
قضى محمد الأمين فترة في العلاج و لما استعاد صحته توجه إلى الخيام مباشرة و ضرب صفْحاً عنالدراسة النظامية بالرغم من أنه كان بارعاً فيها و خاصةً في مادة الرياضيات.
و في شهر فبراير من سنة 1973 غادر الحيَّ متوجهاً إلى انواكشوط و من ثم إلى انواذيبُ حيث انعقدتالصلة قويةً بينه و بين الشريف محمد بابَ ولد محمد نافع ولد الشريف بالقاسم الذي كان يعمل فيالتجارة .
و في سنة 1976 غادر الشابان مدينة انواذيبُ في اتجاه السنغال و من هنالك انطلقا إلى وجهة ظلتْمجهولةً إلى حين وصولهم مدينة سبها الليبية حيث عملا في شركة فرنسية تعمل على تنفيذ بعضالمنشآت الضخمة لعلها تتعلق بالماء . و في مخيمهما الصحراوي ربما زارهما أحد الطلاب من ذيالقربى هو المرحوم عبدُ بن يحظيه الذي كان يدرس آنذاك في كلية التربية في طرابلس العاصمة.
و قد أخبرني محمد الأمين أكثر من مرة أخرها في منزله العامر في المدينة المنورة في يناير 2020 أنه ورفيقه الشريف محمد بابَ قد قررا بصورة حازمة لا رجعة فيها أن يهاجرا إلى ألمانيا لاطِّلابِ العمل هناك، و لكنه آثرَ أن يعرِّج على الديار المقدسة لأداء العمرة و لزيارة الرسول صلى الله عليه و سلم و السلامعلى جدِّه لأمهِ المجاور منذ القدم : الشريف محمد غلام ولد محمد الفخيم ناظم أسماء الله الحسنى وكان رجلاً صالحاً ذائع الصيت و ذا كرامات عجيبة ..
و هكذا واصل طريقه من ليبيا إلى السودان ثم إلى جدة ثم إلى المدينة المنورة في نهاية المطاف.
و حدثني عن اللحظة التي دخل فيها على جده لأول مرة و لم يكن أيٌّ منهما قد رآى الآخر  بأُمِ عيْنِهِ إذْأن الجدَّ هاجر قبل ميلاد الحفيد ،  و كيف أنَّه و هو الشيخ المسنُّ هرع واقفاً و احتضنه و هو يقول : أَأنت محمد الامين و لم يزل يكرر قوله : "الآن فقط فهمتُ لماذا كانت أمُّك خديجة آثَرَ عندي من غيْرِها لأنهسيأتيني من صلبها من يؤنسني في غربتي و يشدُّ عضدي في كبري"!
قال محمد الأمين لم ألبث كثيرا مع  الشيخ الجد و إنما بقيت إلى جانبه لبعض الوقت قبل أن أودعهبإلحاح جامح  من فكرة الهجرة إلى أوروبا و خاصة إلى ألمانيا .
و الله وحده يعلم كيف وقع عليه ذلك الخبر كالصاعقة و لم يزل يحاول جاهدا أن يثنيَني عن فكرتي أويردني عن هجرتي إلى الخارج و لكن دون جدوى .و قُبَيْلَ الفراق قال لي بحسرة : هلاَّ تريني جوازكقليلا ً لأرى كيف تطورت وثائق السفر بعدي ، ففعلت و انطلقتُ بسرعة إلى جدة لأواصل منها السفرمهاجراً إلى الغرب.
قال : و لمَّا وصلتُ إلى جدة حيث محطتي الأخيرة في المملكة العربية السعودية ، تملّكني حالٌ عجيبٌ إذْأصابني اللهُ بانقباض و حزن يرافقهما حنين قويٌّ إلى الرجوع ، فتذكرتُ نظرة الجد للجواز و امَّحَى منصدري طموح السفر إلى أوروبا إلى الأبد و اختفت هواجس الشباب المغامر و لم أجدْ بدًّا من أن أقفلبسرعة عائدًا إلى المدينة المنورة حيث الحبيب صلى الله عليه و سلم و حيث محبُّه و حفيده جدي محمدغلام رحمه الله.
قال : ولم يكن الجد محمد غلام يصدق عينيْه عندما دخلت عليه عائدًا و لكنَّ فرحته كانت أكبر عندماأخبرته بعدولي عن السفر و بنيتي أن أبقى إلى جانبه بصورة نهائية .
و هكذا بقي الحفيد إلى جانب جده الشريف المهاجر و على يديه تشربتْ روحه الطاهرة من محبةالحبيب صلى الله عليه و سلم .
يقول في ذلك : بقيتُ أقضي جلَّ وقتي في المسجد النبوي و أخدم الشيخ الجد و خاصة في ما يتعلقبسقاية الناس و الحمام إذْ كان له إناء أمام المنزل يشرب منه السائرون في الطريق العام و خاصة فيمواسم الحج و العمرة كما أن له فوق السطح إناء يتعهده الحمام الزاجل في كل وقت .
و استمر البرنامج المرسوم لصاحبنا على تلك الوتيرة حتى إذا دنى أجلُ الجدِّ لازمه بمواكبة أكثر  .
و قد حدثني إبان مقامي معه في نهاية شهر دجمبر و بداية يناير المنصرميْن فقال : حضرتُ وفاة جديو كانت تلك أول مرة أشهد فيها موت إنسان في حياتي ، فجهَّزتهُ ضمن المقربين من ذويه و تمت الصلاةعليه في المسجد النبوي و دفنَّاه في البقيع.
و كانت وفاة الجد الشريف محمد غلام نقطةً فارقةً في مسار الحفيد و بداية تحوُّلٍ 
جديد في حياته ، إذ كان عليه أن يتكيف مع هذا الوضع الطارئ الذي آلتْ إليه فيه المسؤولية عن نفسهعلى الأقل فضلًا عن مسؤوليته و لو جزئياً ضمن أسرة الشيخ الجد و هي أسرة من مستوى اجتماعي وروحي معيَّن.و قد وفقه الله في وجود عمل يصادف هوى في نفسه و هو العناية بالمسجد النبوي من حيثالنظافة و الرعاية و هو العمل الذي ظل يضطلع به إلى أن قررت السلطات السعودية حظره على غير ذويالجنسية السعودية .و يتحدث محمد الأمين عن تلك الفترة بارتياح كبير و يتذكر تلك الليالي السعيدةالتي كان يجد فيها نفسه وحيدًا في الروضة الشريفة إلى جوار الضريح و يتحدث بمتعة خاصة عن ذلكالنسيم العليل الذي ربما غشيهُ في ذلك المكان .
و لم يترك محمد الأمين ذلك العمل داخل المسجد النبوي ، حتى عوضه الله عنه عملًا آخر في مكتبة تقععند مدخله الرئيسيِّ مباشرة فصار يقسم وقته بين عبادته في الروضة و عمله في المكتبة و حياتهالأسرية الجديدة في البيت مقابلَ مسجد جابر في حيْ الأصْفَرَيْنْ .و في تلك الفترة يتحدث الفقيد عنمغامراته الخطيرة بالاتجار بالمحرمات من الكتب مثل الحصن الحصين و دلائل الخيْرات و ربما ضبطمتلبسا بالجريمة النكراء فسلم من عقوبة محققة بسبب جوار الحبيب صلى الله عليه و سلم و بفضل ماورد في بضاعته المحرمة  تلك من صلاة و تحصين !
و تشاء الأقدار أن ينحسر العمل لاحقاً مع تضاعف المسؤوليات الاجتماعية بوجود الأبناء و يصبح منزل"أبي شنقيط " مأوى للحجاج و المعتمرين و الزائرين من جميع الناس.و هنا جعل الله لذلك المحبالصالح مخرجاً من حيث لا يتوقع و لا زال يرزقه من حيث لا يحتسب.
و الحقيقة أن محمد الأمين بلغ من عبادة الله و محبة رسوله صلى الله عليه و سلم درجة امَّحَى بها عن ماسواهما من الوجود فهو يكاد يكون لا يغادر الروضة حتى أصبح له فيها مكان مخصوص .و هو لا ينهيختمة من القرآن الكريم الا ليبدأ في ختمة جديدة كما أنه لا يكفُّ على الصلاة و لا يفتر عن الذكر .
و قال لي إنه في مرحلة معينة ، كان كلما اقترب من الروضة الشريفة انتابه حالٌ قويٌّ يصاب فيه بخفقانالقلب و ارتعاد الجسم حتى جاء ذلك اليوم الذي شكى فيه ذلك لشيخٍ شنقيطي توسم فيه الخير إذْ هوملازم للروضة هو الآخر و عادةً ما يحجز له تلامذته فيها مكانًا في الصدارة . قال : فضمَّني ذلك الشيخإلى صدره ضمّاً قوياً ثم أطلقني و والله لقد زال عنِّي ذلك الحال من تلك اللحظة و لله الحمد ! سألته ومن هو ذلك الشيخ ؟ فأجابني قائلا : إنه شيخ من البوصاديين مجاور منذ بداية الستينات قيل إنه منكبار تلاميذ الشيخ التراد بن العباس و اسمهُ الشيخ محمدْ عبد الله ولد آدَّ ! قلتُ في نفسي بالحسانية : " أسمعْ انتَ هَكْ عنَّكْ يالهَلكاتي "! ثم أردفت أسأله و هلاَّ أخذت عنه الطريقة فأجابني قائلا : " أخذتُالطريق مرة على أحد المقدمين و كنا ربما ذكرنا في منزله .و حدث مرة أن أدى ذلك إلى تخلفنا عنالصلاة في المسجد النبوي ، فسبقتهم إلى الروضة حتى إذا قدم أعدتُ إليه السبحة و اعتذرتُ له عنالورد!
ابَّان مقامي الأخير مع الفقيد محمد الامين لاحظتُ أن صحته تدهورت بحيث أصبح يتناول الكثير منالأدوية و يقتصر على برنامج يوميٍّ حاولنا أن نشترك معه فيه مدة إقامتنا هناك و هو أن يتوجه إلىالمسجد النبوي قبل صلاة الصبح و لا يرجع  منه إلى المنزل حتي يصلي ركعتيْ الإشراق ثم يعود إلىالحرم المدني قبل صلاة العصر فيتبوَّأ مكانه المعهود في الروضة الشريفة و لا يبرحه حتى بعد صلاةالعشاء .
و أختم هذه التدوينة بما أسر إليَّ به ابَّان لقائنا الأخير بخصوص محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال:" هنالك شخص لا أعرف اسمه و ليس لدي أي رقم هاتفي له و هو يتصل بي من حين لآخر ويقول لي : أمرني الحبيب صلى الله عليه و سلم أن آتيَكَ لتخبرني عن احتياجاتك ، فأكتبها له في ورقةكيفما كان حجمها و ما يلبث أن يأتيني بها كاملةً غير منقوصة !و الغريب أن آخر مرة اتصل بي فيهاهذا الرجل قال لي : أمرني الحبيب صلى الله عليه و سلم أن أتصل بك لأتعرف منك على حاجات البنات(و له أربع بنات )، قلت له : و أنا أيضا ذو حاجات ملحة ! فأجابني قائلا بصرامة : إنما أقتصر علىالأمر النبوي . قال : فطلبت من البنات كتابة حاجاتهن في ورقة ففعلنَ و لم يلبث أن أتى بها كاملة غيرمنقوصة !
قلت لمحمد الأمين : هل يراه يقظة أو مناماً ؟ قال لي محمد الأمين : لست أدري و الله .
اللهمَّ اغفر له و ارحمه برحمتك الواسعة و كن له ربي خلفاً من أسرته و كن لأسرته خلفا منه .و إنا لله وإنا إليه راجعون .
اللهمَّ صلِّ على سيدنا محمدٍ صلاة يكون بالروضة الشريفة قرارها و تتصل بقلوب الأحياء و قبورالأموات من أمته صلى الله عليه و سلم أنوارها .

رحم الله السلف و بارك في الخلف .

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

فصل الغزل و النسيب من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره

الشيخ التراد ولد العباس: قصتي مع الديوان...

فصل الغزل من ديوان العلاَّمة امحمد بن أحمدْ يوره..