العلامة محمد المختار ولد امبالَّه : الشروط الثلاثة ..
من صفحة Mohameden Ould Sidi Bedena
التاريخ 13 يونيو 2020 م
العلامة محمد المختار ولد امبالَّ : الشروط الثلاثة ..
حدثني أستاذي الجليل و أخي في الله العلامة محمد المختار بن امْحمَّدْ بن محمدْ المختار بن أحمدو بنامبالَّه قال : عندما ظهرت السهرات الرمضانية لأول مرة في الإذاعة الوطنية بمبادرة طيِّبةٍ من مديرهاالعام آنذاك اشترطتُ عليه في المشاركة فيها شرطيْن اثنيْن هما : أن لا يجمعونيِ في استديوهٍ واحد معامرأة ، و أن لا يشركوني مع غيري من العلماء في برنامج واحد . أما الشرط الأول فبسبب الحرمة الشرعية الصريحة للإختلاط ، و أما الشرط الثاني فتجنباً للحرج في حال الاختلاف في الرأي الفقهيمع رفيقي في البرنامج فأضطرَّ إما إلى مخالفته على أمواج الأثير أو السكوت عنه فيحمل ذلك على أنهتبنٍّ لغير قناعتي من الآراء .
و صادف رمضان مرة انتهاج الدولة لسياسة جديدة لترقية المرأة في عهد الرئيس الأسبق معاويه بنسيد أحمد الطائع و كنت إذ ذاك رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية .و في إحدى الليالي حضرتُإلى التلفزة الوطنية لأنعشَ بها إحدى السهرات الرمضانية و هي إذ ذاك في أوج ازدهارها و ألقها ، وبينما أنا أهمُّ بدخول الاستديو إذ فاجأني به وجود امرأة قدمها لي المشرفون على البرنامج على أنهاطبيبة مختصة تمت برمجتها لتشترك معي في البرنامج ! و بطبيعة الحال تمسكت بالشرطين السابقينحجةً ، و امتنعت من الدخول قائلا : لا مانع عندي من أن أتخلف عن البرنامج إلى حصة لاحقة . أماالمشاركة معها في برنامج واحد فذلك فيه خرق واضح للاتفاق المبرم بيننا و لن أقبله بتاتاً .و لا زال المديرالعام يلح علي في التنازل حتى إذا داهمهم الوقت و يئسوا من إقناعي ، قرروا بالتشاور مع الطبيبةالطيبة الأخلاق الموطأة الأكنافِ في ما يبدو من حسن تعاملها مع الوضع المحرج ، أن ترجئ مشاركتهاإلى الحصة الموالية و أن آخذ مكانها لإنعاش الحلقة الجديدة من البرنامج .
و مرت تلك الحادثة دون أن يكون لها أي صدى رسميٍّ على الأقل ، و تشاء الصدف أن تتكرر لي حادثةمماثلة في الصحافة المسموعة هذه المرة . ذلك أنه بالرغم من شروطي المعروفة مع وسائل الإعلام بشقيهاالمسموع و المرئي ، فقد لاحظت مرة برمجةً للسهرات الرمضانية الإذاعية تتضمن اسمي مقرونا باسمإحدى الصحفيات باعتبارها مقدمة للحلقة ، فبادرتُ إلى تنبيه المدير العام عله يصحح الخطأ في الوقتالمناسب . و لما علمت من خلال الإعلانات المتكررة عن الحلقة عبر الأثير حتى قبيل التوقيت المحدد للبثأن أي تغيير لم يحصل على المسطرة الأصلية ، قررتُ التغيب عن البرنامج و البقاء في المنزل . و كنتأظنُّ الأمر أَمرٌ أُبْرِمَ بليلٍ و لم يتعدَّ الحدود الضيقة للإذاعة الوطنية، لولا أن استدعاني صباح اليومالموالي معالي الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية صديقنا المخلص الداه بن عبد الجليل فإذا به يثيرالموضوع بخطاب يظهر منه بجلاء أنه بتفويض من فخامة رئيس الجمهورية و إن كان بذكائه المعهود قدلفَّ خطابه الرسمي ذاك في ثوب سابغٍ تطبعه مرونة الاداريِّ اللّوذعيِّ و نصيحة الصديق الوفيِّ ! وخلال النقاش قلت لمعالي الوزير الصديق : " لعلكم لا تتصورون أنني أنا من يوصل بناتي إلى المدرسةالنظامية صباح كلَّ يوم و أنا في طريقي إلى المكتب . و لكن اضمنْ لي سلامة المرأة من ثلاثة محرماتبالاجماعِ
و ألتزم لك بالمقابل بأن لا أتخلف عن أي مناسبة رسمية أو غير رسمية تجمعونني و إياها فيها تحتسقف واحد و هي التبرج السافر بالطيب و الزينة و الملبس ! و لا أراك تستطيع حتى على استيعاب مثلهذا الطرح إذ أننا نعيش جميعُنا في مجتمع اختلط فيه الحابل بالنابل و انقلبت فيه الموازين رأسا علىعقب حتى أصبحت هذه المحرمات الثلاثة على النساء هي أَيْسَرُ شروطهنَّ في الخروج أَصلاً ، أحرىإذا كان ذلك إلى المحافل الرسمية حيث يكون الباب للإخلاطِ مفتوحًا على مصراعيْهِ ، و أينا يرضى ذلكلذويه من النساء فكيف إذن نرضاه لنساء غيرنا من المسلمين ؟!
قال محدثي : حقق معالي الوزير الصديق بدهائه في هذه المرة من تبرئتي ما عجز عن تحقيقه فيمناسبة لاحقة عندما استدعاني رسمياً بعد ذلك بفترة طويلة نسبياً ليبلغني بقرار إقالتي من منصبِمستشار في رئاسة الجمهورية ! و السبب المباشر في ذلك و كم له من سبب ، هو امتناعي عن المشاركةفي برنامج مباشر في التلفزة الوطنية إلى جانب بعض الزملاء الفقهاء هذه المرة و خارج شهر رمضانالمبارك و في موضوع مخالف لقناعتي الراسخة المعلنة أكثر من مرة . يتعلق الأمر بتراجع الدولة منمنظور اقتصادي بحت ، عن اعتبار يوم الجمعة عطلة رسمية و العودة بها إلى سالف عهدها من يوميْ السبت و الأحد. و هنا أيضا تمسكتُ بموقفي خلال جولات متلاحقة عسيرة من النقاش الجاد مع بعضمن كبار المسؤولين في الدولة كانت آخرها زوالاً خلال لجنة ترأسها معالي الوزير الأمين العام للرئاسةالإداري المحنك الداه بن عبد الجليل و ضمت بعض الوزراء و المستشارين في الرئاسة . و في المساء مناليوم ذاته ، و قبل ساعات قليلةٍ من بث البرنامج الموعود ، اتصل بي هاتفياً معالي وزير الإعلام آنذاكالناطق الرسميُّ باسم الحكومة ، الخطيب المفوه حمود بن عبدي و لا زال يلح عليَّ من أجل المشاركة فيهذا البرنامج الهام ، بأمر من رئاسة الجمهورية كما قال ، حتى إذا اقترب الوقت المحدد للبرنامج ، أغلقتُالهاتف الجوال و التحقتُ بزميلي الضيف من الخليج الشيخ عثمان بن أبي المعالي في مكان ما منالعاصمة و هو إذ ذاك سفير في الكويت ، فتناولتُ معه كاساتِ شايٍ هادئة استغرقتْ من الوقت قدر مااستغرقه البثُّ المباشر للبرنامج المذكور بشغور واضح لأحد المقاعد.
و في صباح اليوم الموالي ، و في الساعات الأولى من الدوام الرسمي ، لم أُفاجأْ هذه المرة كما حصلمن قبلُ ، عندما استدعاني معالي الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية الداه بن عبد الجليل للمرةالثانية كما قلت ، و هنالك دار بيننا نقاش صريح و مستفيض في موضوع تخلفي عن ذلك البرنامج . وفي نهاية المطاف ختم الوزير الأمين العام ذلك النقاش بقوله : " أنا لستُ آسِفاً لك على مغادرتِكَ مكاتبالرئاسة ، و إنما أنا آسف لمكاتبِ الرآسة على أن غادرتها أنتَ ! ".
و هكذا كان ذلك آخر عهد للعلامة محمد المختار بن امبالَّه بالتوظيف في عهد الرئيس معاويه بن سيدأحمد ولد الطائع ، و لكنْ تشاء الأقدار أن لا يكون آخر عهده بمكاتب الرئاسة و لا بمنصب المستشار بهاو لا بالتعرض لقضايا الاختلاط بين الرجال و النساء في المناسبات الرسمية و على أعلى المستويات !
ذلك أنه ما إن تقلد مقاليدَ الحكم فخامةُ رئيس الجمهورية الجديد السيد محمد بن عبد العزيز حتى أعادتعيينه مستشاراً للشؤون الإسلامية فعاد إلى مكتبه السابق في الرئاسة ، و هو المنصبُ الذي انتقل منهإلى رئاسة المجلس الأعلى للفتوى و المظالم عند إنشائه فبقي فيه إلى أن تقاعد حفظه الله و رعاه.
و ابَّان فترة عمله الثانية هذه مستشاراً للشؤون الإسلامية حدثني أنه حزَّ في نفسه مرة ما يحصل مناختلاط بين أعضاء الحكومة من الرجال و النساء في المطار عندما كان الوزراءُ يُستدعون لتوديع فخامةرئيس الجمهورية أو استقباله بمناسبة أي سفر له إلى الخارج أو الداخل و ربما استغرق الانتظار بعضالوقت يقضيه هؤلاء في المطار . قال : و في إحدى المناسبات قلت لفخامة رئيس الجمهورية: السيدالرئيس ، قد يكون من المناسب أن تصدروا تعليماتكم إلى أعضاء الحكومة بالاحتراز من الاختلاط إبانوجودهم في المطار عند التوديع أو الاستقبال ، و بداهةً أجابني قائلاً : و هلاَّ نصحتهمْ أنتَ بذلك ؟! وبسلاسة تدرجنا إلى موضوع آخر قبل أن نفترق . فما هو أعطى تعليماته بذلك كما أشرتُ إليه به دوناستشارة مسبقة ، و لا أنا نصحتهم به كما أومأ إليَّ به في سؤاله الاستفهامي الصريح ، و لكنيلاحظت بعد ذلك بفترة وجيزة أن طاقمَ المودعين و المستقبلين من المسؤولين السامين في الرئاسة والحكومة قد تم تقليصه كثيرا إلى القدر اليسيرِ الذي لا يزال عليه حتى اليوم !.
هذه حكايات سمعتها من الشيخ محمد المختار منذ عهد طويل ، و ابَّان لقاءٍ به لاحقِ قال لي باستغرابٍ : هل تعلم انني التقيتُ قبل أيامٍ عن طريق الصدفة في أحد المرافق العامة بامرأةٍ قدمت لي نفسها علىأنها هي الطبيبة التي كنت قد امتنعتُ من الاشتراك معها من قبلُ في برنامج السهرة الرمضانية فيالتلفزة الوطنية ؟ إنها الطبيبة المختصة في طب الأطفال : زينبُ بنت حيدِّي !
و بالمناسبة أذكر و الشيء بالشيء يُذكر قصة مماثلةً حكاها لي أخونا الصحفي الموهوب المرحوم حمَّوْبن أحمدو مامين حصلت لهم في الإذاعة الوطنية مع العلامة عبد العزيز سي لم أعد أتبيَّنُ تفاصيلها ..
و بعد أن روينا أمثلة من الواقع عن الاختلاط الذي عمت به البلوى في المناسبات الرسمية ، نختم هذهالتدوينة بنظم فقهيٍّ بديع يعرض فيه المحدث محمد بن أبي مدين الغوث الديماني رحمه الله بدقةالشروط اللازمة شرعاً لصلاة المرأة في المسجد فما بالك بغير الصلاة من الوظائف و في غير بيوت اللهمن المرافق :
قد صح عن نبينا الأواهِ
لا تمنعوا المسجد آمَ اللهِ
لكنْ لذلك شروطٌ تحتمى
أخذها من الحديث العلما:
عدمُ طيبٍ وخلاخلٍ وما
من الثياب حسنه قد عظما
وتركها لزينة قد شرطوا
في إذنها لأن ذاك أحوط
والأمن في الطريق شرطٌ مثبتُ
وكونها لم تُخْشَ منها الفتنةُ
وأن تكون عند الابتهالِ
لهن حاجزٌ عن الرجالِ
رحم اللهُ السلف و بارك في الخلف .
Commentaires
Enregistrer un commentaire