الشيخ جلول الجَزِيرِي التونسي.(تدوينات معادة : يونيو - يوليو 2015 م)
الشيخ جلول الجَزِيرِي التونسي.(تدوينات معادة : يونيو - يوليو 2015 م)
حدثني شيخي العلامة حمدن بن التاه رحمه الله قال: كنت طالبا مطلع الستينات في تونس العاصمة فسألت مرة بعض الطلاب هل صادفوا وليا لله في هذه الربوع، فأجابني طالب سنغالي بالإيجاب و دلَّني على موقعه الجغرافي.ذهبت إلى حيث وصف الدليل صحبة أخي ببَّها الملقب ببَّ رحمه الله و لمَّا دخلنا سوق الشواشين بالعاصمة فتَّشنا بنظرنا عن متجر الشيخ رقم سبعة (7) فما اهتدينا إليه و ما زلنا في حيرة حتَّى إذا أقبل علينا رجل فقال:" دلَّكما عليَّ السنغاليُّ ؟!"
فعلمنا باليقين أننا ما ضللنا و لكننا مهتدون!و من هنا بدأت علاقة الرجلين بذلك الرجل الصالح ذي العلوم الظاهرة و الطباع الآسرة و الأسرار الباهرة و هي أسرار نوَّه بها الأستاذ حمدن مرةً في معرض حديثه عن سر الحرف في برنامجه الرمضاني الممتع في قناة الساحل.إنه الشريف الحسيني التونسي الشيخ جلول الجزيري رضي الله عنه .
تخرج الطالبان و لكن علاقتهما بالرجل استمرت إلى غاية وفاته في بداية الثمانينات و ربما زارهم في انواكشوط بعض ابنائه.قال لي الأستاذ ببَّ في تونس حيث لقيته شتاء 1982 م:" أنا المدير المسن العائد فجأةً إلى مقاعد الدراسة في الخارج فماذا عسايَ أتعلم من جديد؟ إنما هي سنة دراسية في مجال محو الأمية بمنحة من اليونسكو اغتنمتها فرصة لملازمة هذا الشيخ المسنّ ! فهل منكم من يعلم أن نجل ببَّ الأكبر الوزير السابق السيد سيدي بن اتَّاه كنيتُه "جلّول"! بذلك تُدركون جيِّدا مدى العلاقة الروحية القوية مع هذا الرجل! و أعود فأقول إنني أنا كذلك كنت أغتنم فرصة مهمة رسمية إلى الخارج لأغيِّر الطريق فأمر بتونس للقاء ذلك الرجل الغريب.
وصلتُ تونس بعد الظهر من يوم الجمعة 19 فبراير 1982 فآواني الطالب المدير أو المريد على الأصح لدى سكن لطالب آخر صِرْفٍ هذه المرة هو الصحفي المعروف المرحوم اعلِ بن عبد الله.
أولا- في متجر الشيخ جلول الجزيري في سوق الشواشين ..في تونس العاصمة.
نغَّص عليَّ جوَّ اللِّقاء و التحيب و المبيت ليلتنا تلك نبأُ غياب الشيخ إلى نيجيريا لأجل غير معلوم و مُقامي في تونس محدود بفجر الإثنين المقبل 22 فبراير 1982 نظرا لعامليْ الحجز المغلق و العجز المطلق و هو ما عبَّر عنه الشيخ فيما بعد بعبارة لا تخلو من طرافة.و لكن فرحتي كانت عارمةً عندما دخلنا السوق صحوةَ اليوم الموالي أي السبت 20 فبراير 1982 فإذا برفيقي يبشرني بعودة الشيخ و الدليل متجره رقم 7 المفتوح في سوق الشواشين . جلسنا على مقاعد متواضعة معدة للزوار أمام المدخل سبقَنا إليها زائر قال عنه الشيخ فيما بعد إنه شريف حسني ذو صلاح استدل عليه ببعض القصص.عاد الشيخ إذن فقدمني إليه رفيقي الاستاذ ببَّ بن اتاه فقال:"الموريتانييو يُحبونني كثيرا و لكن هذا صغير فلا بدَّ أن تأتيني به في البيت غدا لأزوِّده بالحكمة " ثم ناولني برتقالة و قال :" كل هذه على نيتك " و ألقاها إليَّ من مسافة فتلقفتها.لم نظفر من الشيخ خلال هذا اللقاء بالمجلس المتواصل نظرا لتنقلاته الدائبة إلى المتاجر المجاورة و لكنه كان في عودته التي لا يشتغل فيها بهاتفه التقليدي جدا يوجه إلينا بعض الكلام.لفت انتباهي أن لهذا الهاتف مِقبضا لا يزال الشيخ يحركه بصورة دائرية دائبة كأنما يزوده الطاقة بذلك أثناء الكلام .لم تكن سَعَة المتجر تبلغ عشر مترات مربعة يحتل منها مقعده التقليدي الملكي الفاخر الحيِّزَ الأكبر و تمتد صورته لتُغطي الجدار الخلفي بأكمله بحيث تواجه طلعته المباركة زبناءه عند المدخل.و في اليمين يمتدّ صفُّ الكتب عاليا إلى السقف و أذكر من عناويها "إحياء علوم الدين".قال لي الأستاذ الخليل النحوي و هو من رواده:"و ما رأيت ترتييب هذه الكتب قطُّ مختلاًّ بما يُنبيء عن مطالعتها !" .أما الزبناء فما هم بكثير كما هو حال البضاعة إذ تنحصر في عدد محدود من الشاشيات أي القلنسوات المحلية ذات اللون الأحمر.و إن ألمَّ زبون ينقطع إليه الشيخ فيوليه و يولي بضاعته من الإهتمام بقدر ما تتوهم به أن التجارة قد استغرقتهوتملكتْ عليه شعوره .ثم ينصرف الزبون دون أن يشتري في أغلب الأحيان فإذا بالشيخ مستغرق في حاله معنا. قال الأستاذ التونسي محمد صلاح الدين المستاوي في مقال له بعنوان "الشيخ جلول الجزيري إشعاع روحي تجاوز حدود تونس" :إن الشيخ جلول الجزيري ظل يمارس الحرفة التي ورثها عن آبائه وأجداده لا يضيره أن لا يعرف عامة الناس علو منزلته ورفعة شانه". أذكر أن الشيخ جلول سألنا يومذاك عن سفير موريتانيا السابق في تونس السيد معروف بن الشيخ عبد الله رحمه الله و كان يحبه كثيرا و قال:"ذهبت إليه لأخبره بالإنقلاب على المختار بن داداه فما وجدته!" ثم قال:"أما النميري فقد أخبرته و اشترطتُ عليه تأمين أصحاب المحاولة ففعل!" قال الأستاذ المستاوي: "ذات مرة أبى رئيس دولة السودان (جعفر النميري) الذي كان في زيارة رسمية إلى البلاد التونسية إلا أن يقتطع من برنامجه جزءا ليؤدي زيارة للشيخ جلول الجزيري في مقرّ عمله بسوق الشواشين حيث جلس إليه في خلوة المريد بالشيخ وأعضاء الوفد المرافق له والحراس والجميع في الانتظار إلى أن خرج جعفر النميري من عند الشيخ جلول الجزيري-رحمه الله- ووجهه إلى محل الشيخ جلول الجزيري لم يشأ أن يستدبره تأدبا معه".
هذا في نهاية اللقاء و بتنسيق محكم مع الأستاذ ببَّ بن اتاه ناولت الشيخ هدية متواضعة و لكنها تمثل نصف ثروتي آنذاك و هي عبارة عن مبلغ خمسمائة درهم أظنه يعادل خمسة آلاف أوقية فقط في ذلك العهد.قال الشيخ بأريحيته الروحانية المعهودة:" إن الهدايا على قدر مُهديها .لو كانت على قدر من تُهدى إليه لكانت أكثرَ من هذا بكثير"!.ضحكنا و ودعنا الشيخ في متجره زوالا وامتثلنا أمره بالعودة إليه في بيته في قلب العاصمة ضحوة اليوم الموالي أي يوم الأحد 21 فبراير 1982 م.استقبلنا في غرفة نومه بالطابق العلويّ من منزل مواضع حيث كان زواره على قدر المزور و هم أكثر بكثير من زبنائه و أكثر منهم سخاءً!كان الشريف الحسني الصالح هو من استقبلنا عند المدخل كما استقبل غيرنا من الزوار و من الهدايا منفردةً أو مقرونةً بالتماس الدعاء من الشيخ.فما ذا دار في ذلك اللقاء ؟
ذلك ما سنعرض له إن شاء الله مشفوعا ببعض ما رويته من أخباره عن من اتصلوا به من أعيان بلادنا أمثال د.محمد المختار بن ابَّاه و د.جمال بن الحسن رحمهما الله و السيد ببَّها بن أحمد يوره حفظه الله .
ثانيا - في بيت الشيخ جلول الجزيري ..في قلب العاصمة التونسية ..
وصلنا منزل الشيخ جلول الجزيري ضحوة يوم الأحد الموافق 21 فبراير 1982، فاستقبلنا في غرفة نومه المتواضعة ولا أخال مساحته تبلغ 4 م في 4م٠ كان الشيخ يجلس في الوسط من سريره ذي الحجم الكبير والملاءة البيضاء٠أجلسني عن يمينه وأجلس الأستاذ ببَّ رحمه الله عن يسارهِ ،في اتجاه باب الغرفة وبين السرير والدولاب اللاصق بالجدار ممرّ ضيق فيه مقعدان متقابلان أحدهما جلس عليه ابنه الصغير الذي يبدو على أهبة الاستعداد للاطلاع ببعض المسؤوليات .. والثاني كان يتعاقب عليه الزوار وربما زاحم بعضهم الأستاذ ببَّ رحمه الله في الركن المخصص له من السرير٠
كان الشريف الحسيني دائب الصعود والهبوط يوصل الهدايا والتحايا وينقل الدعوات المباركة من الشيخ و ربما أوصل زائرا ذا بالٍ كتلك السيدة التي أتت من بلاد نائية في الداخل تصطحبُ معها ابنتها وإذا به ينصحها أن تأخذ لها أستاذا للتغلب على عجزها في الرياضيات ثم ما لبث أن قال للوالدة لعلك تستعجلين لها الزواج فسيكون لها ذلك وسترزق من الأولاد ثلاثا ثم ذهب أبعد من ذلك فقال إن شئت أخبرتك عن حال زوجك الآن في منزلكم هناك وأخذ في التوصيف ويبين بالدلائل و " بنت محسن" تصدق وتستغرب!
ثم جاء دورنا فأخذ يحدثنا عن ما لديه من أسرار نورانية و عزائم ربانية وعن الشيوخ الذين أجازوه في استخدام تلك الأسرار ثم أمر ابنه فناولهُ كنانيش وصفها بالعظيمة أحدها للتيجانية والثاني للقادرية والثّالث للشاذلية ٠ مددت يدي على غرة من الشيخ إلى أحدِ هذه الكنانيش أتشوف إلى ما فيها و قرأت في صفحته الأولى "أتعهدُ بأن لا أستخدم هذه الأسرار إلاّ من أجلِ جلب نفع لمسلم أو دفع ضر عن مسلم " وعند هذا الحد تنبه الشيخ إلى مغامرتي فانتهرني برفق واختطفَ الكنّاش بسرعة من يدي قائلاً "أنت جديد " أمّا هذا فهو قديمٌ و وضع الكنّاش بين يديْ الأستاذ ببّ .أمّا أنا أخذ ورقة وقلما وكتب لي بيده الشريفة سرا أمرني بالمحافظة عليه فوضعته في خرقة و علقته في عضُدي طبقا لأوامره زمنا قبل أن ينفلت ويضيع إلى الأبد .. وأرجو من الله العليّ القدير ببركة الشيخ و جدِّه و آله و صحبه أن يكون سرُها قد استقر و استمرْ.
وقد خصَّني كذلك برقية علنية غريبة دارت بشكل لم يألفْه الحاضرون من قبل بمساعدة الابن الفتى اليافع رحمه الله .
و للشيخ جلول كتب في الأسرار نذكر منها: إدخال السرور والآمال والمسائل المعدة للرخاء والشدة، والفوائد الفاخرة وفتح الرحيم الرحمان وغيرها من الكتب النفيسة .
قال لي أستاذنا الجليل محمد المختار بن ابَّاه و نحن في سفر بين الدار البيضاء و دكار إنَّ الشيخ جلول بارع في الأسرار و أنه سأله مرة عن السر في اهتمامه بالتأليف في الأسرار و حرصه على طباعة هذه التآليف و نشرها بين الناس و السر ذو سين مهموسة و راء مرققة كما يقال ، وأنه أجابه بأنَّ دافعه إلى ذلك هو مخافة انقراضه لأنَّ حجم ما بحوزته منه لم تعد تحويه صدور الرجال! أما استخدامه - كما قال - فهو مشروط بالإجازة يمنحها من هو أهل لذلك من أهل هذا الشأن.فالأسرار المنشورة في الكتب كالبضاعة المعروضةً من وراء الزجاج يطّلع عليها الزبون و لكنه لا يستفيد منها إلا بما آلت إليه ملكيته منه بالشراء الصحيح !
هذا و لم نُحظَ من وقت الشيخ الثمين صباح ذلك اليوم بقدر ما يناسب موقعَه في قلوبنا و موقعَنا في مجلسه البهيِّ نظرا لتزاحم الزوار إذ صادف مجيئنا عطلة نهاية الأسبوع.
ودَّعنا الشيخ قبل الزوال بقليل فألمح إليَّ أثناء الوداع بذات البشارة التي كان قد أشار إليَّ بها العارف بالله حّمَّ بن عابدين الصعيديِّ قبل أسبوع من ذلك التاريخ ابَّان مغادرتي في ذلك السفر الميمون!فكأنما مؤسف له عن ذلك !
و أثناء الوداع كذلك بلّغته وصية بالسلام و التماس الدعاء من سيدة فاضلة من حاضرتنا النائية.أبدى بعضا من مواصفاتها الغريبة وقال:"تريدنا أن ندوِّنها في الكناش ثم دعا لها و ذكر بأنها ستسافر!" ألحَّ عليه الأستاذ ببَّ بالسؤال إلى أين و هل هو إلى الديار المقدسة لأداء فريضة ألحج مثلا لأنه لا يتوقع لها سفرا غير ذلك ، و لكن الشيخ ما زاد أن قال: إنها ستسفر كررها ثلاث مرات !.
و تشاء الموافقةُ لا الصدفةُ أن أصل ابَّيْر التورس بعد أسبوع بعد ذلك لأجد المعنية قد اضطُرّتْ في نفس اليوم و التاريخ والتوقيت للسفر إلى انواكشوط مرورا بالمذرذره و روصو لعلاج أحد أبنائها المصاب بوعكة صحية مفاجئة!
عدنا إلى بيت الضيافة العامر حيث أكرم مضيفنا مقيلنا و كان البرد شديدا و المطر غزيرا و المكان بعيدا نسبيا من منزل الشيخ و لكنَّ ذلك لم يمنعْني من التسلل خِفيةً بعد الظهر و العودة إلى الشيخ في منزله منفردا فاغتبط بعودتي واستعدت مكانتي مكانتي الصباحية إلى جانبه فوق السرير٬ و لا أذكر أنَّ أحدا كدَّر صفو مجلسنا ذاك الذي لو لم أظفر به لكان فاتني من الشيخ بُعدُه الروحاني الطاهر الباهر .
ثالثا- الجلسة المسائية الختامية مع الشيخ جلُّول الجزيري ..على غرة من الزمن ..
زرتُ الأستاذ ببَّ بن التَّاه رحمه الله مرة في منزله ، و بعد مراسيم السَّلام و التَّرحيب المعهود لديه خاض في فضائل سورة يس مشيرا إلى جزء من المصحف الشريف بيده كان يقرؤه فيما يبدو فقطعتُ عليه تلك التلاوة.قلت له إن الشيخ جلول كان قد ذكر لي من فضلها الشيءَ الكثير و حضَّني على ملازمتها مقرونةً بدعاء خاص يسبق تلاوتها.قال الأستاذ ببَّ باهتمام شديد: و هلاَّ زودتَني مشكورا بذلك الدعاء! نعم إنه شغوف بكل ما يمتُّ بصلة إلى الشيخ جلول شغفَه بأخباره و نوادره شأنه في ذلك شأن كلِّ من التقوه أو سمعوا عنه من الثقات. و من هؤلاء ممَّن لقيتهم أخي د.جمال بن الحسن رحمه الله وأخونا الأكبر السيد ببَّها بن أحمد يوره حفظه الله ورعاه..
أما أخي و صديقي المرحوم جمال فقد أخبرني أنه زار الشيخ جلُّول مرة فقال له: إن الأستاذ محمد المختار بن ابَّاه قدم إلى تونس فاذهبْ لتأتيني به. قال جمال:فذهبت أتحسس في الفنادق حتى اهتديت إليه و بلغته رسالة الشيخ فامتثل.
و قال لي كذلك: " زرت الشيخ مرة في منزله فأخذ يحدثني عن تفاصيل من حياتيَ الخاصة لا يعلمها إلاَّ الله ثم أخبرني بأمور ستقع في المسقبل و قال عندئذ أكون أنا قد توفيتُ فادْعُ ليَ الله!".
وأما ببّها فكان يزور الشيخ كلَّما جاء إلى تونس و ربما اصطحب معه غيره .جاءه مرة في منتصف السبعينات رفقة المدير المساعد للتشريفات في عهد الرئيس المؤسس المختار بن داداه: الشريف الفاضلي سيداتي بن الشيخ الطالب بويَ ثم عاد إليه مرة ثانية بصحبة سفير موريتانيا في تونس آنذاك السيد محمد عبد القادر بن ديدي و لكل من هؤلاء معه حكايات غريبة منها ما سمعته مباشرة و منها ما رويته عن الثقات .
و بمثل ذلك أخبرني أنا كذلك أثناء لقائنا المسائي آنف الذكر و لكن حديثه قد اتخذ يومذاك منحى روحانيا آخر.خاض الشيخ في الإلهيات تكلم بإسهاب عن الحقيقة و الشريعة و محبة الرسول صلى الله عليه و سلم و هو من آلت إليه خلافة الطريقة التيجانية في الديار التونسية! تحدث بإسهاب عن بعض العارفين مُنوها بمنهجهم في السير و السلوك و ذكر من هؤلاء أحمد الرفاعي و غيره.وقال إن من بينهم من كان يخلو بنفسه ليلا فيضجع على قفاه و يغمض عينيه في خشوع وهو يكرر" الله معي ، الله ناظري ، الله شاهدي " ثم فوجئت بالشيخ يستلقي على ظهره و يشبك يديه على صورة القبض في الصلاة و يغمض عينيه و هو يردد هذه العبارات بصورة خاشعة مدوية حتى إذا كرَّرها مراتٍ عاد مسرعا للجلوس و هو يقول: " لو أعد أستطيع المواصلة "!ثم استرسل في المديح النبوي فأنشد منه قصائد و قطعا رقيقة ينفعل معها بكل جوارحه و كانت له فيه وقفة مع البوصيري و همزيته و بردته التي ذكر فضلها و قال عنها إنها " بُرءُ الداء" !
كان الشيخ ينشد المديح النبوي بخشوع كبير و يغشاه حال و انفعال و لا زال يزاوج بين المديح و حكايات الصالحين إلى نهاية المجلس و كنت أستمتع كما لم يحصل لي من قبل بما يلقي من أشعار أو يروي من أخبار.
و في خضم هذا المشهد المهيب خاطبني الشيخ فقال إنَّ لي روحانيا يخبرني بالأمور و إنني لا أراه ببصري و لكن ببصيرتي و لا أسمعه بأذني و لكن بجميع جوارحي و إذا اقترب من الجسم احترق الجسم ثم استطرد بعض الأمثلة.
و في نهاية المجلس أملى علي الشيخ جلول هذين البيتين:
لا تبال بحاسدٍ أو عدوٍّ == غَمُّهمْ ينمو أن تُهنَّا و تسعدْ
أترى الناس يحسدون حقيرا == آية الكون أن تُعاب و تحسد!
و قبل أن أنهي الكلام عن الشيخ جلول الجزيري التونسي أنبه إلى أنه كان خطيبا في بعض المساجد بتونس و أنه كانت له صلات ببعض المرجعيات الدينية في العالم الإسلامي. و من ذلك ما رواه الباحث الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي قال: "حدثني الدكتور حسن عباس زكي و قد كان وزيرا للمالية والاقتصاد في عهد الرئيس جمال عبد الناصر و أصبح بعد ذلك مستشارا اقتصاديا لرئيس دولة الإمارات الشيخ زائد بن سلطان وله مؤلفات عديدة وكان صديقا حميما للشيخ عبد الحليم محمود رحمه الله قال: كنت في زيارة للمغرب وقد حصلتُ على إذن من الملك الحسن الثاني بدخول الخزانة الملكية بالرباط والتي تضم نفائس المخطوطات وفيما أنا مستغرق في مراجعة ما بين يدي إذ بهاتف من عند الشيخ جلول الجزيري يأمرني بقطع الزيارة والعودة على جناح السرعة إلى مصر فالشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر في أمس الحاجة إلي، فقفلت راجعا إلى مصر ولما وصلت وجدت المعركة على أشدها بين الرئيس أنور السادات والشيخ عبد الحليم محمود بسبب تدخل بعض الجهات في شؤون الأزهر الأمر الذي رفضه الشيخ عبد الحليم محمود رحمه الله وقد قدم بسببه استقالته من مشيخة الأزهر وذهب إلى مقام أبي العباس المرسي رضي الله عنه بالإسكندرية وظل فيه معتكفا إلى أن استرضاه الرئيس أنور السادات ومكنه مما يريد من الصلاحيات والإصلاحات".
رحم الله الشيخ جلول الجزيري و جزاه خيرا عن الإسلام و المسلمين.
رابعا - زيارة قبر الشيخ جلول الجزيري ..
قصة النصرانيٌّ المتبحّرٌ في الإنجيل وعلومه الذي جذبته الحكمة الإلهية فاعتنق الإسلام بإشارة من شيخه القسيس ..
في بداية شهر يناير 2022 كنت في طريقي من الإمارات العربية المتحدة إلى موريتانيا فمررتُ بتونس العاصمة وحرصتُ على زيارة قبر الشيخ جلول الجزيري.
كان ذلك ضحوة يوم السبت 07 يناير 2022 أي بعد حوالي ثلاثين (30) سنة من لقائي الأول به يوم السبت 20 فبراير 1982.
حصلتْ الزيارة بمساعدة كل من حفيد الشيخ : الشريف مالك بن الطاهر بن شيخنا الشيخ جلول الجَزِيري وابن عمنا الدكتور محمدن بن أحمدُّ بابَ بن عليٍّ الإطار السامي في مجلس وزراء الداخلية العرب الواقع مقره في تونس ..
كان اليوم يوما روحانيا ماطرا ، ولدى عودتنا حرصتُ على زيارة متجر الشيخ جلول حيث لقيته لأول مرة .و عند مدخل سوق الشواشين في قلب العاصمة تونس ، حيث يوجد المتجر المذكور ،لفت انتباهنا مَعْلَمٌ بارز متميز في شكله ومكانه فقال لنا مرافقنا مالك الجزيري إنه قبر الوزير عبد الله الترجمان رحمه الله ! عندئذ تدخل الدكتور الدهاهْ أو محمد أحمد باب كما يُشتهرُ بين زملائه في مجلس وزراء الداخلية العرب : "سبحان الله كنت أقرأ عنه البارحة ، إنه النصرانيّ حافظ الإنجيل المتبحّر في علومه الذي أخلص في خدمة شيخه "المربّي " القسيس نقلاومرتيل فصدقه القول في ما ورد في الإنجيل على لسان عيسى عليه السلام من إخبارٍ ببعثة خاتم النبيئين محمد صلى الله عليه وسلم وأرشده إلى الإسلام فأسلم وحسُن إسلامه .. إنه مؤلف كتاب " تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب" وغيره ، لقد كان رجلا عظيما حقا" !
قلت:و أنتهز الفرصة لأعرف تعريفا مقتضبا بالوزير Anselm Turmeda " أنسيلم تورميدا "أو عبد الله الترجمان (1355-1423م) انطلاقا ممّا كتبه عن نفسه في مقدمة كتابه المذكور بعد أن أعرف بالدكتور محمدن أحمدُّ بابَ المشتهر لدينا بكنيته الدهاه ( حفيد العلامة محمذن بن عليٍّ بن السيّدْ والعلامة محمد عالي بن محنض) وذلك من خلال القطعتين التاليتيْن بيني وبين أستاذنا محمد فال بن عبد اللطيف- ببَّاه علَماً - واللتيْن يعود تاريخهما إلى شهر مارس من سنة 2010م ويسميهما العلامة حمدنْ بن التاه حفظه الله اصطلاحا " قطعتيْ الباء والتاء"..
قال الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف الملقب ببَّاه :
نعم "الدهاهُ إذا الغريب أتاهُ
وإذا الملمُّ أتاه نعم فتاهُ
ثِنْتا الأشجِّ حواهما وعن العلا
والسعي في العلياء ما ثَنَتَاهُ
وإذا أتى وفد لتونس زائرا
في بعض الامر أتاه بل آتاهُ
هذا الذي طلب الكرام فضُلِّلُوا
عن دربه فأتاه من مأتاهُ
لم يَسْطَعْ " استدمينُ " عنا كتمَ ذا
عصتاه في كتمانه شفتاهُ!
الجواب :
نعم الذي فعلُ الخنا يأباهُ
"ببَّاهُ " يا نعم الفتى "ببَّاهُ "
فإذا دعا داعٍ لغيٍّ ما اندعى
وإذا دعا داعي الهدى لبّاهُ
سر إليه قد سرى ينساب من
سلف على نهج العلا ربَّاهُ
سرٌّ حواه رواه عن آبائه
ورواه عن أجداده آباهُ
لم يسطع "استدمين" عنا كتم ذا
شفتاه لم تقبله بل تأباهُ !
وأعود إلى الوزير عبد الله الترجمان وهو يروي قصة عبوره من النصرانية إلى الإسلام في مقدمة كتابه " تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب فيقول" :
[اعلموا رحمكم الله أن أصْلي من مدينة ميورقة أعادها الله للإسلام، وهي مدينة كبيرة على البحر بين جبلين(...) وكان والدي محسوبا من أهل حاضرة ميورقة ولم يكن له ولد غيري ولما بلغت ست (6) سنين من عمري أسلمني إلى معلم من القسيسين قرأت عليه الإنجيل حتى حفظت أكثر من شطره في مدة سنتين ثم أخذت في تعلم لغة الإنجيل وعلم المنطق في ست (6) سنين ثم ارتحلت من بلد ميورقة إلى مدينة لاردة من أرض القطلان وهي مدينة العلم عند النصارى (...) وبهذه المدينة تجتمع طلبة العلم من النصارى وينتهون إلى ألف (1.000) رجل أو ألف وخمسمائة (1.500) رجل ولا يحكم بينهم إلا القسيس الذي يقرون عليه (...) فقرأت فيها علم الطبيعات والنجامة مدة ست (6) سنين ثم تصدرت فيها أقرأ الإنجيل وألقنه ملازما لذلك مدة أربع (4) سنين. ثم ارتحلت إلى مدينة بلونية من أرض الأبزدية وهي مدينة كبيرة جدا (...) ويجتمع بها كل عام من الآفاق أكثر من ألفي (2.000) رجل يطلبون العلم ولا يلبسون إلا الملف الذي هو صباغ الله، ولو يكون طالب العلم منهم سلطانا أو ابن سلطان فلا يلبس إلا ذلك ليمتاز به الطلبة من غيرهم. ولا يحكم فيهم إلا القسيس الذي يقرون عليه. فسكنت بها، وبها كنيسة لقسيس كبير السن عندهم بها كبير القدر اسمه نقلاومرتيل وكانت منزلته فيهم بالعلم والدين والزهد رفيعة جدا انفرد بهما في زمنه عن جميع أهل دين النصرانية فكانت الأسئلة في دينهم ترد عليه من الآفاق من جهة الملوك وغيرهم وصحبة الأسئلة من الهدايا الضخمة ما هو الغاية في بابه ويرغبون بالتبرك به وفي قبوله لهداياهم ويتشرفون بذلك فقرأت على هذا القسيس علم أصول دين النصرانية وأحكامه ولم أزل أتقرب إليه بخدمته والقيام بكثير من وظائفه حتى صيرني من أفضل خواصه وانتهيت في خدمتي له وتقربي إلى أن دفع لي مفاتيح سكنه وخزائن مأكله ومشربه وبقي جميع ذلك كله على يدي ولم يستثن من ذلك سوى مفتاح بيت صغير بداخل مسكنه كان يخلو فيه بنفسه، الظاهر أنه بيت خزائن أمواله التي كانت تهدى إليه والله أعلم. فلازمته على ما ذكرت من القراءة عليه والخدمة له عشرا ثم أصابه مرض يوما من الدهر فتخلف عن حضور مجلس قراءته وانتظره أهل المجلس وهم يتذاكرون في مسائل من العلم إلى أن أفضى بهم الكلام إلى قوله عز وجل على لسان نبيه عيسى «إنه يأتي من بعدي نبي اسمه البارقليط» فبحثوا في تعيين هذا النبي من هو من الأنبياء وقال كل واحد منهم بحسب علمه وفهمه فعظم بينهم في ذلك مقالهم وكثر جدالهم ثم انصرفوا من غير تحصيل فائدة في تلك المسألة. فأتيت مسكن الشيخ صاحب الدرس المذكور فقال لي: ما الذي كان عندكم اليوم من البحث في غيبتي عنكم؟ فأخبرته باختلاف القوم في اسم البارقليط وأن فلانا قد أجاب بكذا وفلانا بكذا وسردت له أجوبتهم. فقال لي: وبماذا أجبت؟ فقلت: بجواب القاضي فلان في تفسير الإنجيل. فقال لي: ما قصرت وقربت وفلان أخطأ وكاد فلان أن يقارب ولكن الحق خلاف هذا كله لأن تفسير هذا الاسم الشريف لا يعلمه إلا العلماء الراسخون في العلم وأنتم لم يحصل لكم من العلم إلا القليل. فبادرت إلى قدميه أقبلهما وقلت له: يا سيدي قد علمت أني ارتحلت إليك من بلد بعيد ولي في خدمتك عشر سنين حصلت عنك فيها جملة من العلوم لا أحصيها فلعل من جميل إحسانكم أن تمنوا علي بمعرفة هذا الاسم الشريف. فبكى الشيخ وقال: يا ولدي والله إنك لتعز علي كثيرا من أجل خدمتك لي وانقطاعك إلي، وإن في معرفة هذا الاسم الشريف فائدة عظيمة، لكن أخاف عليك أن تظهر ذلك فيقتلك عامة النصارى في الحين. فقلت له: يا سيدي والله العظيم وحق الإنجيل ومن جاء به لا أتكلم بشيء مما تسر إلي إلا عن أمرك. فقال لي: يا ولدي إني سألتك في أول قدومك إلي عن بلدك وهل هو قريب من المسلمين وهل يقرونكم أو تقرونهم لأختبر ما عندك من المنافرة للإسلام، فاعلم يا ولدي أن البارقليط هو اسم من أسماء نبيهم محمد ، وعليه نزل الكتاب الرابع المذكور على لسان دانيال وأخبر أنه سينزل هذا الكتاب عليه وأن دينه دين الحق وملته هي الملة البيضاء المذكورة في الإنجيل. قلت: يا سيدي وما تقول في دين هؤلاء النصارى؟ فقال لي: يا ولدي لو أن النصارى أقاموا على دين عيسى الأول لكانوا على دين الله لأن عيسى وجميع الأنبياء دينهم دين الله. فقلت: يا سيدي وكيف الخلاص من هذا الأمر؟ فقال: يا ولدي بالدخول في دين الإسلام. فقلت له: وهل ينجو الداخل فيه؟ فقال لي: نعم ينجو في الدنيا والآخرة. فقلت له: يا سيدي إن العاقل لا يختار لنفسه إلا أفضل ما يعلم فإذا علمت فضل دين الإسلام فما يمنعك منه؟ فقال لي: يا ولدي إن الله لم يطلعني على حقيقة ما أخبرتك من فضل دين الإسلام وشرف دين الإسلام إلا بعد كبر سني ووهن عظمي ولا عذر لنا فيه بل حجة الله علينا قائمة ولو هداني الله لذلك وأنا في سنك لتركت كل شيء ودخلت في الحق وحب الدنيا رأس كل خطيئة، وأنت ترى ما أنا فيه عند النصارى من رفعة الجاه والقدر والعز والشرف وكثرة عرض الدنيا، ولو أني ظهر علي شيء من الميل إلى دين الإسلام لقتلني العامة في أسرع وقت. وهب أني نجوت منهم وخلصت إلى المسلمين وأقول لهم إني جئتكم مسلما فيقولون لي قد نفعت نفسك بالدخول في دين الحق فلا تمنّ علينا في دين خلصت به نفسك من عذاب الله فأبقى بينهم شيخا كبيرا فقيرا ابن تسعين سنة لا أفقه لسانهم ولا يعرفون حقي فأموت بينهم بالجوع. وأنا والحمد لله على دين عيسى وما جاء به يعلم الله ذلك مني. فقلت له: يا سيدي أفتأذن لي أن أمشي إلى بلاد المسلمين وأدخل في دينهم؟ فقال لي: إن كنت عاقلا طالبا للنجاة فبادر إلى ذلك تحصل لك الدنيا والآخرة، ولكن يا ولدي هذا أمر لم يحضره أحد معنا الآن فاكتمه لغاية جهدك وإن ظهر عليك منه شيء لقتلك العامة لحينك ولا أقدر على نفعك ولا ينفعك أن تنقل ذلك عني فإني أجحده وقولي مصدق عليك وقولك غير مصدق علي وأنا بريء من دمك إن فهت بشيء من هذا. فقلت: يا سيدي أعوذ بالله من سريان الوهم لهذا.وعاهدته بما أرضاه ثم أخذت في أسباب الرحلة وودعته فدعا لي بخير وزودني بخمسين دينارا ذهبا وركبت البحر منصرفا إلى بلاد مدينة ميورقة فأقمت بها ستة أشهر ثم سافرت منها إلى مدينة صقلية فأقمت بها خمسة أشهر وأنا أنتظر مركبا يتوجه إلى أرض المسلمين. فحضر مركب يسافر إلى مدينة تونس فسافرت فيه من صقلية فأقلعنا عن قرب مغيب الشفق فوردنا مرسى تونس قرب الزوال. فلما نزلت بديوان تونس وسمع بي الذين بها من أحبار النصارى أتوا بمركوب وحملوني معهم إلى بلادهم وصحبتهم بعض التجار الحاضرين أيضا بتونس. فأقمت عندهم في ضيافتهم على أرغد عيش أربعة أشهر وبعد ذلك سألتهم هل بدار السلطنة أحد يحفظ لسان النصارى، وكان السلطان إذ ذاك مولانا أبا العباس أحمد، فذكر لي النصارى أن بدار السلطنة المذكورة رجلا فاضلا من أكبر خدامه اسمه يوسف الطبيب وكان طبيبه ومن خواصه. ففرحت بذلك فرحا شديدا وسألت عن مسكن هذا الرجل الطبيب فدللت عليه واجتمعت به وذكرت له شرح حالي وسبب قدومي لدخولي في الإسلام فسرّ بذلك الرجل سرورا عظيما بأن يكون تمام هذا الخير على يديه. ثم ركب فرسه واحتملني معه لدار السلطان فدخل عليه وأخبره بحديثي واستأذنه علي فأذن لي، فمثلت بين يديه فأول ما سألني عن عمري فقلت له خمسة وثلاثون (35) عاما. ثم سألني كذلك عما قرأت من العلوم فأخبرته فقال: قدمت قدوم خير فأسلم على بركة الله. فقلت للترجمان وهو الطبيب المذكور: قل لمولانا السلطان إنه لا يخرج أحد من دينه إلا ويكثر أهله القول فيه والطعن عليه، فأرغب من إحسانكم أن تبعثوا إلى الذين بحضرتكم من تجار النصارى وأخيارهم وتسألوهم عني وتسمع ما يقولون في جنابي وحينئذ أسلم إن شاء الله. فقال لي بواسطة الترجمان: أنت طلبت كما طلب عبد الله ابن سلام من النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم. فأرسل إلى خيار النصارى وبعض تجارهم وأدخلني في بيت قريب من مجلسه، فلما دخل النصارى عليه قال لهم: ما تقولون في هذا القسيس الجديد الذي قدم في هذا المركب؟ قالوا: يا مولانا هذا عالم كبير في ديننا وقال مشائخهم ما رأينا أعلى منه درجة في العلم والدين في ديننا. فقال لهم: وما تقولون فيه إذا أسلم؟ فقالوا: نعوذ بالله من ذلك، هو ما يفعل هذا أبدا. فلما سمع ما عند النصارى بعث إليَّ فحضرت بين يديه وتشهدت بشهادتي الحق بمحضر النصارى فكبوا على وجوههم وقالوا ما حمله على هذا إلا حب التزويج فإن القسيس عندنا لا يتزوج، فخرجوا مكروبين محزونين.فرتب لي السلطان ربع دينار في كل يوم في دار المختص وزوجني بنت الحاج محمد الصفار فلما عزمت على البناء بها أعطاني مائة دينار ذهباً وكسوة جيدة كاملة فابتنيت بها وولد لي منها ولد سميته محمدا على وجه التبرك باسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسليما].
قلت:
وقد ذكر العلامة محمد والد بن خالُنا الديماني " بارقليط " ضمن أسمائه صلى الله عليه وسلم في قصيدته المديحية التي بدايتها :
رجل الشعر ليس بالجعد جدا
ليس بالسبط بل أثيث فحيمُ
يقول محمد والد :
وعلى الروضة الشربفة لله
سلام ما أمَّ روضًا مسوم
وعلى المسجد النبيئيِّ طرا
وعلى منبر بنى باقومُ
وسلام يفوح بالحب ودا
في سويداء القلب دوما يدوم
وسلام يفوح بالعنبر الور
د على من هو الكفيل الزعيم
من سُمَاهُ محمدٌ وحميدٌ
حامدٌ محمودٌ رفيعٌ شميمُ
واسمه أحمدٌ وياسين طه
فعليه الصلاة والتسليم
واسمه عاقب وحاشر اسم
فعليه التأمين والتنعيم
واسمه بارقليط والمنحمنَّا
فعليه التشريف والتكريمُ
محمدن بن سيدي الملقب بدنَّ
رحم الله السلف وبارك في الخلَف .
Commentaires
Enregistrer un commentaire